السبت، 17 ديسمبر 2011

كي لا نكون ســُذج (3): نظرية المؤامره/ فلسطين الدوله (الكانتون)


خريطة الضفه الغربيه وغزه، ما باللون الأخضر مناطق الفلسطينين
 وما يظهر بالون الأصفر هي المستوطنات


رؤية سياسية- الدوله الفلسطينيه:

قد يستغرب البعض القول بأن مشروع الدولة الفلسطينية هي خطة أمريكية، ويظنون أنها فكرة فلسطينية أو عربية، قد يستغرب البعض القول بذلك، لكن الغرابة تزول عندما يتبين بالأدلة والوقائع أنها فعلاً خطة أميركية قديمة، وليست كما يُروّج لها بأنها مطلب فلسطيني أو عربي، ولا كما يُقال عنها بأنها خطة أميركية حديثة العهد برزت فقط منذ عهد إدارة بوش الابن، التي روجت للفكرة بحماسة، وتبنتها، واعتبرتها رؤية خاصة بالرئيس الأميركي نفسه، نعم إنها ليست كذلك على الإطلاق، بل هي في حقيقتها خطة سياسية أميركية قديمة وجاهزة، وقد وضعتها أميركا موضع التطبيق منذ قرار تقسيم فلسطين في العام 1948م، وليست منذ عهد الرئيس بوش الابن كما يُشاع. ولا نبالغ إن قلنا إن فكرة الدولة الفلسطينية هذه هي أخطر فكرة مرّت على تاريخ القضية الفلسطينية، وأكثرها تضليلاً، بحيث أن الكثير من العوام، والكثير من أفراد الحركات الذين ظهر عليهم الإخلاص، قد انجروا لها، واقتنعوا بها، فكانت هذه الفكرة من ناحية دولياً هي المبرر السياسي الأفعل، والمسوغ القانوني الأنجع، للإقرار بتمليك معظم فلسطين لليهود، وللاعتراف بحق الكيان اليهودي الخالص في البقاء على أرض فلسطين، واستيطانها.
إنها في الواقع ليست مجرد فكرة أو مشروع بل هي مؤامرة أمريكية بحتة منذ نشوئها، فلم يتحدث بها من قبل لا العرب ولا الفلسطينيون، بينما وضعتها جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة في صميم استراتيجياتها، لدرجة أنها أصبحت بالنسبة لتلك الإدارات صنواً للدولة اليهودية، فحيثما ذكرت دولة يهود ذكرت معها الدولة الفلسطينية. لذلك كان لزاماً على السياسيين المخلصين فضحها و كشفها بوصفها مؤامرة أميركية ويهودية خطيرة وخبيثة، وكان لا بد بيان مدى خطورتها ليس على أهل فلسطين والعرب وحسب، وإنما على الأمة الإسلامية جمعاء.
أما بيان ذلك فيمكن إثباته من خلال مرور الخطة تاريخياً عبر المراحل التالية:
المرحلة الأولى: بدأت هذه المرحلة منذ استيلاء دولة يهود على حوالي 78% من أرض فلسطين التاريخية، وهو الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ففي قرار التقسيم الصادر في العام 1947م تبنّت أميركا وبقوة فكرة إقامة الدولة العربية المنفصلة والمستقلة إلى جانب الدولة اليهودية، ودعمت القرار 181 الذي يقسم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، ومنذ ذلك الوقت تبنت الدولة اليهودية، واعتبرتها جزءا من إستراتيجيتها في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط، باعتبارها تحقق أساس مشروعها الاستعماري في المنطقة، بينما كان المستعمر القديم (الإنجليز) قد تبنوا من قبل فكرة الدولة الفلسطينية العلمانية الواحدة على كل أرض فلسطين والتي تجمع اليهود و المسلمين و النصارى في كيان واحد على شاكلة الدولة اللبنانية.
وهاتان الفكرتان الدولتان والدولة الواحدة هما فكرتان استعماريتان يهدفان إلى تمكين اليهود من السيطرة على فلسطين، ومن ثم تمكين الغرب من تثبيت نفده بشكل دائمي فيها. لكن الصراع بين المستعمر القديم (الانجليز) والمستعمر الجديد (الأمريكان) أدّى إلى تمسك كل طرف بفكرته لكي يمارس كل منهما نفوذه على أهل المنطقة، لا سيما وأن فلسطين هي أخطر بقعة تقع في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ومن يسيطر عليها يسيطر على المنطقة بأكملها.
المرحلة الثانية: جاءت هذه المرحلة بعد قرار التقسيم بعشر سنوات تقريباً، وبدأت تحديداً في العام 1959م في أواخر عهد الرئيس الأمريكي "أيزنهاور"، حيث طرحت أميركا مشروعها بشكل واضح ومحدد عن الدولة الفلسطينية تحت عنوان (الكيان الفلسطيني)، وكانت الضفة الغربية وقطاع غزة في ذلك الوقت تحت سيطرة الأردن و مصر، فعرض أيزنهاور مشروعه لإقامة كيان فلسطيني فيهما في العام 1959م ، وبذلك تكون أميركا أول من دعت رسمياً إلى إقامة الدولة الفلسطينية وتكون بذلك قد سبقت الفلسطينيين الداعين إلى إقامتها بحوالي 50 عاما. فما تدعو إليه الفصائل الفلسطينية هذه الأيام، وبمختلف توجهاتها، هو عينه ما كانت تدعو إليه إدارة أيزنهاور في نهاية الخمسينيات وبنفس ذلك الطرح.
ولكن لماذا إذاً لم تتبنّ هذا المشروع الفصائل الفلسطينية المتلهفة اليوم على إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة و القطاع في العام 1959م وقد عرضتها عليهم أميركا بشكل واضح. وكان الفرق الوحيد عما يتبنونه اليوم أن مشروع أيزنهاور في ذلك الوقت والذي حمله المبعوثون الأمريكيون فيه اختلاف يسير عن المطروح حالياً، وهو أن الضفة الغربية و قطاع غزة التي يراد إقامة كيان فلسطيني فيها يُستثنى منها القدس والذي خُطط لتدويلها في المشروع الأميركي، وهذا التدويل لمدينة القدس هو ما يتمنى دعاة الدولة الفلسطينية الحصول عليه في هذه الأيام.
باشرت أميركا عملياً بتطبيق مشروعها قي ذلك الوقت، فدعت مصر والسعودية والعراق "جمال عبد الناصر والملك سعود وعبد الكريم قاسم" في العام 1959م للترويج للمشروع، وتأييد إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة، وكان عبد الناصر جاهزا لإعطاء غزة للفلسطينيين، لكن الملك حسين هو الذي كان يمثل العقبة الكأداء أمام تحقيق المشروع. وبدأ هؤلاء بالضغط على الأردن، ووقف النظام الأردني حجر عثرة أمام تطبيق هذا المشروع كون الأردن يسيطر على الضفة الغربية التي تمثل المساحة الأكبر في المشروع. فرفض الملك حسين بشراسة بالغة فكرة إقامة دولة فلسطينية، والتنازل عن الضفة الغربية للفلسطينيين خشية على عرشه، وبالرغم من أنهم ضغطوا عليه، وهدّدوه وتوعدوه، وأغروه وتملقوه، لحمله على الموافقة على المشروع لكنه أبى وأصر على الرفض.
وكانت حجة أميركا للفلسطينيين و للعرب تستند على أن الدولة الفلسطينية هي الحل الوحيد العملي الممكن لقضية فلسطين، وأن هذا الحل هو الذي يوجد السلام والأمن في المنطقة، وان إسرائيل قوة كبيرة وجدت لتبقى، وأن الدول العربية، و جيوشها، اعجز من أن تزيل دولة (إسرائيل).
هذه هي الفكرة التي جاء بها أيزنهاور، ولقّمها للحكام العرب في هذه الدول، فقال لهم: عليكم أن تهضموا فكرة وجود (إسرائيل) وبالمقابل تقيموا كيانا فلسطينيا، ثم بعد ذلك عليكم أن ترفعوا أيديكم عن الفلسطينيين، وعن القضية الفلسطينية. وفي هذا الخطاب تمهيد لما أتوا به من بعد، وهو جعل منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.
وأما الفلسطينيون فخوطبوا في هذا المشروع بمنطق آخر فقيل لهم: عليكم أيها الأشاوس الفلسطينيون أن تتولوا أموركم بأيديكم، فالدول العربية لن تنفعكم، فاقبلوا بالكيان الفلسطيني كمرحلة أولى، ثم بعد ذلك فكروا بتحرير ما تبقى من فلسطين المغتصبة!!.
وقام عبد الناصر في العام 1959م بابتداع أساليب جديدة لإسناد الفكرة - وكان أشدهم تأييدا لفكرة الدولة الفلسطينية وأكثرهم نشاطا لها - فدعا لإقامة ما يُسمى بالجمهورية العربية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك على نمط الجمهورية العربية المتحدة في مصر وسوريا ، وجنّد الفلسطينيين الذين يسكنون في قطاع غزة والذي كانوا تحت حكمه، لتأييد الفكرة والتأثير على فلسطينيي الضفة الخاضعين للحكم الأردني. واتصل بالهيئة الفلسطينية العليا في القدس، واحتضنها، وساعده في ذلك الملك سعود. ولم يكتف عبد الناصر بذلك بل إنه عرض مشروع أيزنهاور هذا على الجامعة العربية في مؤتمرها في القاهرة في نفس العام 1959م.
المرحلة الثالثة: استمراراً للمرحلة الثانية وفي العام 1960م عُقد مؤتمر "شتورا" في لبنان، وضغط عبد الناصر في المؤتمر على رئيس وزراء الأردن آنذاك "هزاع المجالي" الذي حضر المؤتمر نيابة عن الملك حسين، ووافق تحت الضغط على إقامة الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة، فكان عقابه أنه بعد عودته إلى الأردن قتل فورا في عمّان، وبقتله أحبطت بريطانيا والملك حسين الخطة. وقد كشف رئيس الوفد الأردني في مؤتمر شتورا موسى ناصر حقيقة الموقف الأميركي من فكرة الدولة الفلسطينية فقال: "إن الولايات المتحدة الأمريكية قدّمت اقتراحا لإنشاء الكيان الفلسطيني، وتبنته السعودية، وعرضته على الجامعة العربية".
المرحلة الرابعة: بدأت هذه المرحلة في العام 1961م بمجيء جون كندي إلى الحكم وتبنيه لنفس المشروع، وقيامه بتفعيله، وذلك بإرساله لرسائله المشهورة في العام 1961م الملك سعود وعبد الناصر وعبد الكريم قاسم وأضيف إليهم فؤاد شهاب في لبنان. وعقدوا مؤتمراً جديداً في القاهرة في العام 1961م، وضغطوا على الملك حسين ثانية لحمله على القبول بالفكرة، وللزيادة في الضغط جرى ترتيب جديد في نفس الليلة التي كان يجري فيها المؤتمر، حيث اجتمع السفير الأمريكي في عمّان برئيس الوزراء الأردني بهجت التلهوني، وضغط علية ليقبل بالدولة الفلسطينية، ويُحرج الملك، وكاد أن يقبل لولا أن الملك هدّده إن قبل بالقتل كما قُتل سلفه هزاع المجالي من قبل ، فخاف وتراجع.
إن هذه الوقائع المتتالية تؤكد بأنه كان هناك ضغطا أمريكيا شديداً على الملك حسين للقبول بالدولة الفلسطينية، لكنه لم يرضخ لهذا الضغط، أصر على التحدي، وبمعنى آخر لم تقبل بريطانيا بترك مشروعها والأخذ بالمشروع الأميركي ولو أدّى بها الأمر إلى خوض صراع مكشوف مع حليفتها.
المرحلة الخامسة: ولما فشلت جميع تلك المحاولات الأمريكية في الضغط على الملك حسين لحمله على القبول بفكرة الدولة الفلسطينية، استخدمت أميركا أخيراً ورقتها الرابحة في ذلك الوقت وهي (الأمم المتحدة)، فقامت المنظمة الأممية بتشكيل ما يسمى بلجنة التوفيق في العام 1962م، حيث ضغطت هذه اللجنة باسم الأمم المتحدة على الأردن وعلى الملك حسين لكي يقبل بإقامة الكيان الفلسطيني، ولكنها فشلت أيضاً في انتزاع موافقة الملك حسين على إقامة الدولة الفلسطينية.
المرحلة السادسة: في هذه المرحلة قامت السعودية بتجربة حظها للضغط على الملك حسين ومن ورائه بريطانيا، فاستخدم الملك سعود احمد الشقيريأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية – حيث كان وزيرا في الحكومة السعودية، استخدمه الملك سعود وبالتنسيق مع عبد الناصر لإحراج الملك حسين، فذهب إلى الأردن وهاجم الملك حسين، وصرّح الشقيري بتصريحات نارية قال في إحداها : "اغسلوا أيديكم من فلسطين ومن القدس"، و قال عن اللاجئين بان " ليس لهم إلا التعويض"، و قال عن القدس بأنها "سوف تُدول". وكانت هذه التصريحات تمثل السياسة الأمريكية بكل تجلياتها. لكن الملك حسين تنصل من هذه التصريحات، ورفضها، وسلّط عليه وصفي التل الذي هاجمه، ورفض أفكاره رفضا كاملا.
المرحلة السابعة: استخدمت أميركا في هذه المرحلة البابا بولص السادس، فأوفدته في زيارة إلى الأردن ليضغط على الملك حسين، وليقبل بفكرة تدويل القدس بذريعة أن فيها أماكن دينية وكنسية وما شاكل ذلك، لكن الملك حسين تخلص أيضا من هذا الضغط، ورفض فكرة التدويل.
إن هذا التشبث الأميركي بفكرة الدولة الفلسطينية في ذلك الوقت المبكر يدل على مدى أهمية الفكرة بالنسبة لأميركا، كما يدل على مدى اقتناع الحكام العرب بالفكرة التي قتل بسببها دبلوماسيون، وهُدّد آخرون بالقتل.
المرحلة الثامنة: في شهر ديسمبر (كانون أول) من العام 1964م رعى جمال عبد الناصر إنشاء هيئة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري، بعد أن ترك الوزارة في السعودية، وجاءت به مصر، ونصّبته رئيسا لهيئة التحرير الفلسطينية، والتي سُميت فيما بعد بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأوكل عبد الناصر لهذه الهيئة تحقيق هدف فصل الضفة الغربية عن الأردن، أي رفع يد الملك حسين عنها، وإقامة كيان فلسطيني مستقل فيها باستثناء القدس وبيت لحم باعتبارهما يُراد لهما أن تكونا منطقة دولية بحسب الخطة الأمريكية، ثم حاول الإنجليز أن يردوا على هذه الأطروحات الأمريكية المتتالية، فأرسلوا الرئيس التونسي بورقيبة، فقام بزيارة إلى الضفة الغربية ورّوج لفكرة الدولة الفلسطينية العلمانية التي تجمع اليهود و المسلمين و النصارى في كيان واحد، وكانت هذه هي الخطة البريطانية المحكمة في مواجهة الخطة الأمريكية. وأدّى هذا الصراع بين الخطتين إلى فشلهما وعدم نجاح أي منهما.
استمرت المحاولات والضغوط الأمريكية على الملك حسين، ومن فرط هذه الضغوط، وشدتها، وللتخلص من أعبائها الثقيلة عليه، قام الملك حسين في العام 1967م، بتسليم الضفة الغربية لليهود، وكانت له خطابات كثيرة في الأعوام 1966 و 1965م، تهدد بذلك، ثم بعد ذلك أقام المهرجانات في عدة مدن، وبيّن أن المسالة فيها حرب، وهدد بتسليم القدس والضفة الغربية. ثم قام فعلاً بتسليمهما لليهود في الخامس من حزيران من عام 1967، وبذلك تملص من فكرة إقامة الدولة الفلسطينية عليها، فكان أفضل بالنسبة إليه أن يسلمها لليهود بدلاً من أن يسلمها للفلسطينيين لإقامة دولة عليها لحساب أميركا.
ثم بعد ذلك ظهرت حركة فتح، ونادت بالكفاح المسلّح واستهوت أفئدة من العرب والفلسطينيين، وكانت مدعومة من دول الخليج ومن الكويت بالذات وكذلك من مصر، ووجدت في عمان منطلقاً حقيقياً لها، وقبل بها الملك حسين، وتبنى ياسر عرفات فكرة بورقيبة الإنجليزية وهي فكرة الدولة الفلسطينية العلمانية على كل ارض فلسطين، ونجحت حركة فتح بهذه الدعوة، وبخلطها للكفاح المسلح، واستهوت قلوب الكثيرين، وامتلكت أهلية شعبية مكّنتها من انتزاع قيادة منظمة التحرير من احمد الشقيري، ونُصب ياسر عرفات زعيم حركة فتح، رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية وأزيح احمد الشقيري.
المرحلة التاسعة: لكن أمريكا في هذه المرحلة لم تسكت، فالصراع ما زال على أشده بين المستعمر الجديد و المستعمر القديم، فهددت أميركا الأردن بإقامة دولة فلسطينية في عمان، وبإعطاء جنوب الأردن من معان والجنوب إلى السعودية، وإقامة الكيان الفلسطيني في الأردن ثم مده إلى الضفة الغربية، وبدا أن أمريكا مصممة على فكرة الدولة الفلسطينية بشكل غريب. وهذا بدوره أدّى إلى خوف الملك حسين من أن تقدم أمريكا على فعل ذلك، ويضيع عرش الهاشميين إلى الأبد، وما يساعدها في تحقيق ذلك الكثافة السكانية العالية للفلسطينيين في الأردن، فارتعدت مفاصل الملك، وقام بالتنكيل بالفلسطينيين، وذبحهم في مذابح جماعية في أيلول الأسود وفي أحراش عجلون وجرش في العامين 1970 و 1971، وبذلك تم طردهم من الأردن، وتخلص من هواجسه ومن خطورة إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أنقاض عرشه.
المرحلة العاشرة: لم تتوقف أميركا في هذه المرحلة عن مساعيها لإقامة الدولة الفلسطينية إن خفّ عنفوانها، ففي 4/4/1975 قام جورج مكفرن مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية بزيارة القدس، وخاطب اليهود ونادى بإمكانية قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، وهاجم بصراحة المشروع الإنجليزي، وقال: "أما بالنسبة للدولة العلمانية التي تضم مسلمين و مسيحيين و يهود فليست هدفا سياسيا و أنها مجرد حلم".
المرحلة الحادية عشرة: في العام التالي وبسبب الضغوط الأميركية، أقرت الجامعة العربية بان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي هذا الإقرار مضايقة شديدة للملك حسين الذي كان يزعم انه يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية و في القدس، وهذه المضايقة كانت مقدمة لرفع يده عن الفلسطينيين.
المرحلة الثانية عشرة: وفي العام 1976، وبدفع من السادات الذي ورث عبد الناصر في الحكم في بداية السبعينات من القرن الماضي، قام بالضغط على الجامعة العربية لرفع مكانة المنظمة، وجعلها عضوا كامل العضوية فيها مثلها مثل أي دولة عربية أخرى بحيث لا يبقى أي مجال لسيطرة الملك حسين على الفلسطينيين.
المرحلة الثالثة عشر: في هذه المرحلة، ومع وصول رونالد ريغان إلى الحكم، طرح ريغان مشروعه على المنطقة والذي عُرف باسم "مشروع ريغان" ، لكنه خشي من ذكر لفظ الدولة الفلسطينية باعتبار أن الظروف لم تكن مساعدة آنذاك، فقال عوضا عن ذلك : "يجب إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير". وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير في كل الأعراف الدبلوماسية، وفي الغرب بشكل خاص تعني إقامة الدولة. ثم تُرجم هذا المشروع مباشرة في نفس الشهر وفي نفس العام 1982م في قالب عربي تحت اسم مشروع فاس الذي أفرزه اجتماع الزعماء العرب في مدينة فاس المغربية، وأقروا في مؤتمرهم ذاك مشروع ريغان باسمه العربي الجديد، ثم أضافوا عليه فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة ليصبح المشروع الأميركي مشروعاً عربياً خالصاً.
المرحلة الرابعة عشر: إن شدة الضغوطات الأميركية التي مورست على الملك حسين لحمله على التخلي عن فكرة التمسك بالضفة الغربية، وبسبب ضعف الدور الإنجليزي في المنطقة، جعلته في العام 1988م يعلن رسمياً انه تخلى تماما عن تمثيل الفلسطينيين في أية مفاوضات مقبلة مع (إسرائيل)، وأنه بات يعترف كزملائه من حكام الدول العربية بان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن هذه الضغوط الشديدة التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة من العام 1959م و حتى العام 1988م على بريطانيا والملك حسين آتت أكلها أخيراً ، فتخلى الملك حسين بشكل رسمي عن الضفة الغربية، و تبع ذلك التخلي السياسي فصل قانوني وإداري بين الضفة الشرقية والضفة الغربية. ثم أعقب ذلك وفي نفس العام اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية عبر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر بقراري 242 و 338 اللذان يقرّان بوجود دولة إسرائيل، ويطالبان فقط بالأراضي التي احتلت في العام 67 فقط وهي الضفة الغربية وقطاع غزة. وبذلك تخلت منظمة التحرير تماما عن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948م.
ثم بعد ذلك بأشهر قليلة صرّح عرفات واحداً من أهم تصريحاته في ستراسبورغ في فرنسا قال فيه : "إنني قد تركت حلم إقامة الدولة الفلسطينية العلمانية على كامل تراب الوطن الفلسطيني و اقبل الآن بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة".
لكن الجديد الذي طرأ في هذه المرحلة هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، حيث تم خلط بعض الأوراق، وخرجت قوى جديدة على الساحة الفلسطينية غير القوى العلمانية وهي القوى الإسلامية، فكان لا بد من مشوار جديد، وطويل، لترويض الحركات الإسلامية كما روضت من قبل الحركات العلمانية، فكان لا بد من عشرين سنة أخرى لتتم فيها عملية الترويض الجديدة ولغاية إخراج فكرة الدولة الفلسطينية إلى الوجود.
وها نحن وبعد عشرين عاما منذ عام 1988 وحتى العام 2008م أصبحت بعض الحركات الإسلامية شأنها شأن الحركات العلمانيه تطالب بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، أي في الأراضي المحتلة عام 1967م وذلك تحت ذريعة إعلان الهدنة الطويلة، أو ما شاكلها من ذرائع، وهذا معناه أن هذه الحركات الإسلامية قد وقعت - وللأسف الشديد - فيما وقعت فيه الحركات العلمانية من قبل، واعترفت بشكل مباشر أو غير مباشر بالكيان اليهودي، وقبلت بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت في الرابع من حزيران عام 1967م، وتكون بذلك قد ساعدت في تحقيق الرؤية الأمريكية من خلال قبول الفلسطينيين.

> الآن من خلال إستحقاق أيلول ستنفذ الرؤيه الأمريكيه التي تبدي في العلن أنها ضد مشروع الدوله الفلسطينيه والذي هي وضعت بالأساس للتضليل وجعل هذا المشروع يبدو وكأنه فكره فلسطينيه عربيه خالصه لا دخل لها فيه، ولكن السؤال هنا هل سينجحون في تصفية القضيه الفلسطينيه بهذه الورقه الأخيره؟ <

الأحد، 11 ديسمبر 2011

كـي لا نكون سُذج (1): الـقتله الإقتــصاديــون/ الجزء الثالث: المعاصرة "الآن"


صورة من الإحتجاجات في العاصمة البريطانيه لندن ضد النظام الرأسمالي

القتله الإقتصادين/ المعاصرة "الأن":
نتيجه للتوجيه الإعلامي المضلل فيما يخص الشأن الإقتصادي كتبنا هذا المقال لوضع النقظ على الحروف للخروج بفهم أدق للوضع الإقتصادي.
مشروع النظام العالمي الجديد الذي بدأت أولى الخطوات في تنفيذه يهدد إقتصاد دول العالم جميعاً وخاصة العالم الثالث "نحن" لجعله أكثر تبعيه للدول الرأسماليه الكبرى "الولايات المتحده" و"أروبا" ولهذا النظام عدة أهداف سوف نناقشها:
الهدف الأول تهميش النظم الإقتصاديه الأخرى غير الرأسماليه مثل "الإشتراكيه" والأهم "النظام الإقتصادي الإسلامي" وتشويهها لكي تصبح الرأسماليه هي النظام الأوحد الذي لا بدائل له، بعباره أخرى "جعل الآخر يكون أنت كي لا يكون هو" أي جعل جميع النظم الإقتصاديه رأسماليه لكي لا تكون غيرها، وإن كان هناك إختلاف بين النظم الرأسماليه فهو إختلاف ضمن نسق الرأسماليه ولا يخرج عن إطارها بأي شكل من الأشكال.
ولهذه الغايه يجب تقييد كل الدول بنظام نقدي رأسمالي قوي يرغمها على زيادة ديونها بهدف استعبدها و تحقيق أرباح كبيرة لشركات النظام العالمي الجديد وهو ما يفسر أن أكثر الدول مديونية في العالم هي الولايات المتحدة الدولة الأكثر مديونية في العالم 13,5 تريلون (والمستفيد الوحيد من هذه المديونيه ليس الشعب الأمريكي بل الشركات الرأسماليه الكبرى، لإحكام سيطرة هذه الشركات على الولايات المتحده فالشعب الأمريكي هو ضحيه لهذا الشركات الجشعه بقدرنا) ثم تليها بريطانيا 9 تريليون ثم ألمانيا 5 تريليون ثم فرنسا 5 تريليون بينما الدول العربية الأكثر مديونية هي الامارات 128 مليار دولار ثم السعودية 72 مليار دولار ثم قطر 52 مليار دولار (42 عالميا) ثم العراق بعد احتلاله 50 مليار دولار ثم الكويت 32.500 مليار دولار.
الهدف الثاني تهيئة البديل المحتمل لقيادة قافلة الرأسماليه والبديل هو إسرائيل والسعي إلى توسيع حدودها لتتجاوز النيل غرباً و الفرات شرقاً كخطوة أساسية لاعدادها لتتزعم العالم بعد تخلف الولايات المتحدة الوشيك.
لنعود قليلاُ إلى واقع ما قبل الثورات فتونس هي الدولة العربية الوحيدة إضافة إلى الجزائر التي تحقق إكتفاء ذاتي عام، و ديونها بسيطة ... بعد الثورة إجتاح الغلاء أكثر السلع و أصبحت من أكثر دول المغرب العربي مديونية إذ تتجاوز ديونها حالياً 25 مليار دولار بعد أن كانت حتى نهاية 2005 لا تتجاوز 10.76 مليار دولار.
ليبيا قبل الثورة لم تكن لديها ديون ... أما الآن فهي مجبرة على إرجع ما قدرة 1000 مليار دولار أي تريليون دولار كتكلفة لحرب النيتو في ليبيا.
سوريا غلقت بشكل كامل ملف الديون الخارجية التي تترتب عليها، وذلك بعد توقيع اتفاقية تسوية مع بلغاريا لحل ديون تبلغ قيمتها 71 مليون دولار. ولهذا يجب أن يطول أمد الثورة السوريه قبل وضع حلول لها لزيادة مديونية سوريا إلى مبالغ ضخمه يصعب الإيفاء بها.
اليمن ديونها زهيدة جداً لا تتعدى 6.25 مليار دولار ولهذا حتى بعد تنحي صالح الأزمه لازلت موجوده وبتصاعد لزيادة مديونيه هذه الدول الفقره أصلاً بينما الدولة الأقل مديونية على مستوى العرب و مستوى العالم هي الجزائر بدين زهيد لا يتعدى 3.38 مليار دولار.
رفع مديونية هذه الدول هو عنصر الأساس لجعلها دول تابعه إقتصادية وغير مكتفيه ذاتياً، وهذا بالطبع سيحول الدكتاتوريات من دكتاتوريات الدول لمواطنها إلى دكتاتوريات النظام العالمي الرأسمالي للدول المديونه وشعوب هذه الدول ضحاياً أيضاً للدكتاتوريه العالميه.
ومن وجهة نظر عقيدة الصدمه، فإن الولايات المتحده تتلاعب بمدى تعاطف الشعوب مع الثورات من خلال الضغط على إقتصادهم "فهي من يتحكم بالبورصه بالأساس"، وقد أظهرت بعض المؤشرات الإقتصاديه في مصر على سبيل المثال نمو إقتصادي لنكتشف بعد الثوره أن هذه القرآءة كانت خاطئه وأن النمو الإقتصادي لمصر في السنوات السابقه لم يكن بالموجب بل بالسالب، ولزيادة مديونيات هذه الدول فإن على الولايات المتحده إفتعال الأزمات طويلة الأمد ومعقدة الحلول لكي تضطر الدول للإستدانه من البنك الدولي والذي وصفه جون بركنـز بـ "عصابة المافيا التي لا تعرف الخجل" والمثير للجدل حقاً أن جميع مشاريع التنميه التي تقوم بها هذه الدول لا تخدمة إلا طبقة صغيرة جداً من الأثرياء... والفقراء يزدادوا ويموتون لإفتقارهم لأبسط مؤهلات العيش الكريم، وكخدعه يقوم بها البنك الدولي هو إعطاء مؤشرات إنماء خاطئه للإيحاء بأن هذه الدول تنمو وتزدهر ولكن في الحقيقه أن هذه الدول تزداد فقراً وإنحداراً يوماً بعد يوم.
> المطلوب هو الوعي العام على هذه المخططات الإقتصاديه التي تختفي بين ثنيات السياسه، ويجب على الشعوب البدأ بالتفكير في تنحية الشركات الرأسماليه متعددة الجنسيات من أراضيها ومطالبة الحكومات بوقف التعامل مع هذه الشركات النهمه والجشعه بدون كوابح <

السبت، 10 ديسمبر 2011

كي لا نكون ســُذج (3): نظرية المؤامره/ الجزء الثالث: سرقة الثورات العربيه (1)


طارق رمضان

طارق رمضان... تحليل للربيع العربي/ ترجمة ::التغير الآن::

صحيح أننا إذا ما حللنا الوقائع، فالأمر مقلق، وما أقترحه عليكم هو البدأ بمثدمة عن المصطلحات المستخدمه، هل الأمر يتعلق بربيع عربي "ثورات عربيه"؟، البعض قد يستخدم مصطلح "ثوره" والبعض الآخر يستخدم مصطلح الربيع العربي.. ولكن فيما يخصني لا أستعمل إلا كلمة "إنتفاضه" لا ثوره ولا ربيع لأسباب مختلفه ستعرفونها من خلال حديثي.
أولا لأني لا أعتقد أننا نعيش ثورات منتهيه يمكنني حتى أن ألمس في بعض الوقائع أن الأمر يتعلق بثورات مسروقه أي أنه لم تعد هناك ثورة موجوده بمعنى أن هناك إنتفاضات سرقت، ثم إنني مازلت أضع علامة إستفهام أمام مصطلح الربيع العربي هذا وما أكرره دائما خلال تحليلاتي.. هو أنني لا أفرط في التفائل، بمعنى أن هناك عدد من المسائل التي يجب التوقف عندها.
تذكرون أه في عام 2003 حين بدأت الحرب على العراق أعلن الرئيس جورج بوش وشرح وبرر "أن ما كان يحدث في العراق هو مقدمه لحركة واسعه للديمقراطية للبلدان العربية في الشرق الأوسط وأن مستقبل هذه البلدان هي الديمقراطيه"، يجب أن ننتبه في كل تحليلاتنا إلى شيء مهم للغايه وأجد أننا في هذه النقطه نكون سذجاً في بعض الأحيان، ما يجب أن ننتبه له هو أن كل هذه الموقف السياسية لا يمكن فهم شيء منها إذا لم نقرأ وبالتوازي معها "المصالح الإقتصادية" و"الجيوستراتجيه الإقليميه"... بمعنى أنه لا يجب التوقف عند القراءه السياسية التي تتحدث عن الديمقراطيه التي حينما تحدثك عن الديمقراطيه -أي أمريكا والغرب- بعد أن ساندت الدكتاتورية لمدة 30 عام، فهذا يعني أنها تخفي عنك شيئاً على الصعيد الإقتصادي أو أنها لا تقول لك كل شيء، إذن يجب دائما النظر إلى الأمر في عمومه والقيام بقرائه ثلاثية الأبعاد "سياسيه"، "إقتصاديه" و"جيوستراتيجيه" لأنه وببساطة كل شيء مرتبط من هذه الزاويه التي سنقوم بالتحليل على أساسها، ولقد لاحظتم بالتأكيد في العديد من التغطيات الإعلاميه وحتى في التصريحات السياسيه يبدو ومأن الجانب الإقتصادي أصبح هامشياً مع أنه وفي نظري البعد الإقتصادي اليوم هو الذي سيجعلنا نفهم ما يجدث ولهذا يجب علينا دائماً التركيز عليه.
الشعوب التي تنزل للشارع من أجل الحريه اليوم يجب أن تطرح سؤال مهم وهو "من يتحكم بدواليب البورصة؟" لأن الديمقراطيات السياسيه بدون إستقلال إقتصادي هي بنفس درجة خطورة الدكتاتوريات أن لم تكن أشد خطراً من وجهة النظر الجيوستراتيجيه، لأنه خلف الوجه الديمقراطي ستكون هناك سيطرة إقتصاديه كامله تتحكم بنا ومجدداً يجب أن لا نأخذ بهذا الشعور لكي لا نكون سذج، لأنه لا قيمة للديمقراطيه إن كنا قابعين تحت الإمبريالية الإقتصادية لهذا يجب أن ننظر للأمور نظرة شامله، وهذا ما سأحاول فعله.
سوف أضعكم أمام وقائع حدثت في 2003 ومنها ما قاله الرئيس الأسبق جورج بوش "أن ما كان يحدث في العراق هو مقدمه لحركة واسعه للديمقراطية للبلدان العربية في الشرق الأوسط وأن مستقبل هذه البلدان هي الديمقراطيه" وسندرك أنه وإبتداءاً من 2004 أنشأت الإدارة الأمريكيه وبتمويل من هيئات هي نفسها مموله من الإدارة الأمريكيه "ندوات تكوينيه" حول التعبئه السلميه لقد كان معروفاً في 2002 أن بوبوفيتش والذي قام بتأليب الشعب ضد ميلوزوفيتش هو شخص كان ومنذ عام 2000 على إتصال بعقيد سابق في الجيش الأمريكي وهو من كان يشرف على هذه "الندوات التكوينيه" وجميع هذا مثبت بالوثائق أي أنها معلومات مؤكده، أي أنه لدينا الأسماء والعلاقات ومنذ عام 2000، وكان هناك دورات على التعبئه السلميه في صربيا، وهنا بدأت الإجراءات للندوات التكوينيه لتعبئة الجماهير سلمياً بإستخدام: الإنترنت والشبكات الإجتماعيه وهي جميعها متوافره ومتاحه للجميع وهذا ما حدث مع ميلوزوفيتش.
وفي عام 2007 قام شباب ناشطون ومعارضون على الإنترنت  من شمال إفريقيا ومن تونس وكثيرون من مصر، كل قادة 6 أبريل شاركوا في هذه الدورات التدريبيه وقد أذاعت قناة الجزيره برنامج في شهر فبراير الماضي وهو برنامج من 30 دقيقه، تغطية إعلاميه بهؤلاء الشباب وقالوا فيه أنهم فعلاً سافروا إلى القوقاز وإلى صربيا وإلتقو بوبوفيتش وتلقوا هذه الدورات التكوينيه، ولكن الجزيرة لم تذكر بلد كان يعقد مثل هذه الدورات التكوينيه وهو قطر وهذا غريب، وقد ذهبوا إلى أمريكا وتدربوا على التعبئه السلميه، والتعبئه السلميه لها قواعدها إياك أن تستخدم العنف والقاعده الثانية الإلتزام وأخيراً تسيير الشعارات، وهذه الشعارات كانت شعارات إيجابيه ولم نرى شعار واحد يمس الغرب أو يخرج عن حدود المطالبه بسقوط النظام، هذا حدث في تونس كما في مصر، ولو بحثتم عن الشعارات على الإنترنت سترون أنها جميعها كان لها أشكال كقبضة اليد لكي تستطيع أن تجذب الناس على إختلاف أيدلوجياتهم وأديانهم.
في 2008 عندما عاد بعض النشطاء من حركة 6 أبريل من الولايات المتحده تم إيقافهم ومعنى ذلك أن الحكومة المصريه كانت على علم بهذه الدورات، وأوقفتهم قبل أن يبدءوا العمل وبالأخص الفتيات، وهكذا فإنه لدينا منذ عام 2004 - 2008 هذه الدورات التكوينيه وكان الأمر يتسارع مع مرور الوقت، وهذه الدورات يقدمها معهد إينشتاين ومعهد الحرية وكل هذه المعاهد تتركز في الولايات المتحده الأمريكيه، وفي أروبا الشرقيه حدث لقاء كان الشراره التي أطلق هؤلاء المعارضين على الإنترنت ومن الواضح جداً أنه كان مرتبط بإرتباط وثيق بمنطقة الشرق الأوسط بمعنى أن هدفه كان محدداً وهو الشرق الأوسط، وكان اللقاء بإشراف شركات كبرى وبالأخص غوغل التي سنتحدث عنها لاحقاً، وفي 2008 أرسلت السفيرة الأمريكيه في القاهره أن حركات إجتماعيه تود البدأ قبل شهر سبتمبر "موعد الإنتخابات الرئاسيه في مصر".
الأحداث تتحدث وفكرة أن كل شيء ظهر هكذا بدون مقدمات هي كذبه، الأحداث تؤكد عكس ذلك وما نعرفه أن هناك أشخاص تم تكوينهم في دول عدة وبلدانهم كانت تعلم بذلك، ويجب أن نذهب بعيداً في هذه الدراسة لنعرف ما كان منتظراً أن يحدث وما الذي لم يكن جزء من الخطه، ما لم يكن متوقعاً أن السورين سيستطيعون التظاهر سلمياً وبدون سلاح مثلما فعلوا لم يكن هذا منتظراً ولا مخطط له بنفس هذه الطريقه.
وفي وقت ما كان "وائل غنيم" سيكون الوجه الصاعد للحركه في مصر والذي كان أيضاً مديراً لغوغل في منطقة الشرق الأوسط، وهو الذي ظهر على التلفزيون يبكي وأشعل الشارع من جديد، وحينما قامت الحكومة المصريه بقطع خطوط الإنترنت عن كامل البلد كما تذكرون، قامت شركة غوغل بإعطاء أرقام هواتف وشيفرات الإتصال بالأقمار الصناعيه للناشطين ليتمكنوا من التنظيم والتواصل فيما بينهم، بينما رفضت شركة جوجل إعطاء هذه الأرقام والشفرات للنشطاء في سوريا وهذا كان في لقاء مع ناشط سوري على برنامج بثته إذاعة فرنسا إنتير، وفي يخص أيضاً سوريا فبالتأكيد لاحظتم الموقف الأمريكي تجاه سوريا فطوال أسابيع قالت الإداره الأمريكيه أنه لا بد من الإصلاح بمعنى أنه لا يجب أن يسقط النظام في سوريا لأنه في حال سقوطه سيكون هناك مجاهيل كثيرة ولا يمكن التحكم بالأحداث وهو مغاير تماماً للموقف من الإنتفاضه في مصر، ولكن يجب أن لا ندخر في دوامة البارانويا أن كل شيء متحكم فيه لا نريد أن نصل لهذه الدرجه فالثغرات دائماً موجوده.
سنذهب إلى تونس، لأن الفتره بين موت محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه وحتى ذهاب بن علي هناك 14 يوماً وهذا أمر غريب، وقبل أن ندرك ما الذي يحدث خرج باراك أوباما ليحي الشعب ويحي العهد الجديد، وجون كيري مسؤول العلاقات الخارجيه في مجلس الشيوخ يفعل نفس الشيء ويقول "إنها بداية عهد عظيم في العلم العربي"، في الواقع بن علي سقط في فخ لأنه قيل له غادر البلد وأحمي عائلتك لحين هدوء الأوضاع وحينما غادر كان يعتقد أنه سيرجع لهذا لم يأخذ معه سوى حقيقبه صغيره، وقصة أن زوجته أخذت ثلث ثروتها قبل أن ترحل هي كذبه إعلاميه لا يمكن إثباتها، وكل هذا كان لإقناعنا أنهم كانا يعلمان أنهما هاربين، والحقيقه هي غير ذلك، وكان هناك ثلاث أشخاص عملوا على تنفيذ هذه الخطه "القياده العليا للجيش التونسي" و"وزير الخارجيه التونسي" و"بتراوس" مسؤول في المخابرات الأمريكيه، والنصيحة الأمريكيه في تونس ومصر كانت أن لا يطلق الجيش النار على الشعب وهذا موقف رابح بجميع الأحوال، ونزل بن علي في السعوديه ولكي تعلموا فإن السعودية لا تستقبل أي ديكاتاتور إلا لو أخذت الموافقه من الإداره الأمريكيه، بمعنى أنكم إحتجزوه هناك كي لا يستطيع التدخل.
ولو تدرسون علاقة الجيش المصري بالأدراه الأمريكيه، فهناك أفراد في الجيش يعلمون حقيقة الأمر وعلى إتصال بالولايات المتحده ولا يمكن أن تكون للجيش المصري سياسه دون علاقته بالولايات المتحده، وقبل التغير بأيام وأسابيع كان هناك عدد من قيادات الجيش المصري في واشنطن، وفي الساعة الثانيه مساءاً قال باراك أوباما "إن التاريخ يفرض منطقه" معتقداً أن مبارك سيعلن إستسلامه بينما أعلن مبارك بعد ساعتين أنه سيبقى وفي الليل فقط جاء مبعوثون للولايات المتحده وقالوا لقادة الجيش المصري هددوه بأنه إذا لم ترحل سنخلع بدلاتنا وننزل إلى ميدان التحرير، وحين نسأل الإداره الأمريكيه هل ما قام به الجيش هو إنقلاب عسكري ترد الإدارة الأمريكيه بدورها لا أنه ليس إنقلابا بل ضغط عسكري، ولهذا كان يجب على مبارك التنحي لأنه رأى أن من كانوا يساندوه تخلوا عنه، وفكرة أن الشعب ينتفض والجيش لا يتدخل لأنه كريم في حين أنه ساند نظامه لسنوات هي فكرة ساذجه، ولهذا يجب النظر للأمور بشكل أوسع، فهناك قرارات تتخذ وتحالفات تحصل وهذا لا يعني مرة أخرى أن كل شيء يتم التحكم به ولكن إرادة التحكم بما يحدث واضحة من الأمريكين والأوروبين، لأنه وبالنسبه لهم يجب الإمساك بهذه البلدان وبخاصة مصر فهي دولة محوريه.

> يجب علينا دائما طرح الأسئله... فالسياسه لا تعرف المصادفات والحقيقه أن الإدارة الأمريكيه ومعها الأوروبين لن تسمح بخروج دول الشرق الأوسط من عباءتها، وهم دائماً لديهم خطة ولكن الثغرات دائما ستكون موجوده لمن يبحث ويقرأ ويحلل ويفكر <

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

كـي لا نكون سُذج (1): الـقتله الإقتــصاديــون/ الجزء الثاني: كيف تدير العالم؟


غلاف كتاب بارج خان: كيف تدير العالم

باراك كانا في "كيف تدير العالم":
ستيفن ج. كوربن: تكلمت في كتابك "كيف تدير العالم" عن ظاهرة دخولنا للعصور الوسطى ما بعد الحداثة و أن دبلوماسية القرن 21 ستكون جد معقدة. حيث أن التكنولوجيا والمال هما من سيحددان مالك السلطة و المسؤول عوض السيادة. و تحدثت أيضا عن "الدبلوماسيين الكبار". من هم؟

باراك كانا: حسنا، دعنا نعود "للعصور الوسطى ما بعد الحداثة". إنه تشابه جد مهم- إنها ليست مجرد مرجع تاريخي. لقد دامت تلك العصور ما يناهز الألف سنة حين كان الشرق والغرب قويان معا- عندما كانت الصين أكثر حضارة متقدمة في العالم في عهد السلالة الحاكمة، عندما كانت السلالة الحاكمة شولا laohC في الهند قوة بحرية كبيرة و عندما كان الخلفاء العرب والإسلاميين يحكمون من شمال أفريقيا إلى أسيا الوسطى. في ذلك الوقت، كانت أوروبا ضعيفة و مقسمة بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الرومانية المقدسة. فكونها أرض متعددة الأقطاب حول العالم هي خاصية جد مهمة للعصور الوسطى. حين قضيت الكثير من الوقت أناقش كتابي الأول "العالم الثاني"، كان العالم مسبقا متعدد الأقطاب جدا. فما نحتاجه هو إدراك أنه ليس بالمرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في التاريخ.
ثانيا، في ذلك الوقت، لم تكن فقط الدول هي الفاعلة المهمة في الموقع الدبلوماسي و لكن أيضا المدن والشركات و الجيوش المرتزقة والمحسنين و الكنائس. إذن، هل نعيش هذه الوضعية أيضا في يومنا هذا. لهذين السببين نرى هذا الانبثاق للعصور الوسطى ما بعد الحداثة. والآن، أصبح كل من التكنولوجيا والمال والهوية عوامل تساعد أيضا في تحديد من يملك السلطة ومن يكون المسؤول. والحقيقة أنه كان لدينا فهما جد جامد فيما يخص معنى الهوية.

إن الأمر يتعلق سواء بهويتك العرقية أو هويتك الدينية أو هوية بلدك الوطنية- أو ما تحمله في جواز سفرك. و الذي لا يعتبر طريقة إبداعية لفهم كيفية تشكيل الهوية لمحيط تكنولوجي و بيئة حيث يتكلم المال بقدر ما يفعل. لقد التقيت بالعديد من الشباب المشتركين في هوية الجيل الواحد. فهم يحددون استنادا لبعض المراجع أنهم إما أعضاء من حيث الشكل أو المال أو عبر المجتمعات التكنولوجية غير الملموسة مثل شبكة الفيسبوك ومجموعات أخرى متنوعة ومراجع أخرى. كما أن هويات الشركة شديدة الأهمية هذا اليوم. فعندما التقيت بالشباب الذي يعمل لدى الشركات المتعددة الجنسيات، و لكن يحملون جنسيات برازيلية و هندية و صينية و روسية، فقد اكتشفوا في الواقع أن هويتهم الوطنية لا تسمح لهم بالحصول على تأشيرة الدخول المجاني للغرب أو مناطق أخرى من العالم لسنوات وسنوات قادمة. لكن هوية الشركة هي التي تسمح لهم بهذا الدخول - و التأشيرات التي تحصل عليها شركتهم من أجلهم.
والآن، فان الدبلوماسية الكبيرة هي إدراك أن كل هؤلاء الفاعلين المختلفين - من شركات و منظمات غير حكومية وحكومات، منظمات دولية و مقاولون يجتمعون في ميدان دبلوماسي جماعي مشترك حيث إن الكل يتفاوض مع الكل طوال الوقت و أن الحلول لمشاكلنا - سواء تعلق الأمر بالحد من الأسلحة أو الفقر أو التغييرات المناخية - لا تعتمد بكل بساطة عن حلول متمركزة من الأعلى لمنظمة حكومية داخلية. و لكن تعتمد أكثر بكثير على الائتلاف الذي يجمع بين عالم الشركات و العالم المدني و العالم الحكومي و حتى المحيط الديني كذلك. ما أراه حول العالم هو أمثلة عن الدبلوماسية الكبيرة فعلى سبيل المثال أجد أن الفرضية تحتاج فعلا لأن تكون متساوية مع التطبيق. و هذا سبب دفعني لكتابة هذا الكتاب.
كوربن: في عالم الدبلوماسية الكبيرة و عالم الفاعلين المتعددين وتعدد الأقطاب، هل سيتغير دور الشركات المتعددة الجنسيات؟ هل ستتغير مسؤولياتهم؟
كنا: كنت تكتب عن الاقتصاد السياسي العالمي والتجارة العالمية، لهذا فأنت تعلم أنه حقا منذ الستينات و السبعينات قد شهدنا هذا التحول في النظام العالمي بعيدا عن الدول لوحدها و هو ما تسميه سوزن ستراينج Strange nSuza "بالدبلوماسية الثلاثية"، حيث كانت الشركات تقريبا مشاركات متساويات. وكانت عاملا رئيسيا في ظهور هذا النظام الجديد. لهذا فإنها بالتأكيد ستلعب دورا بارزا في هذا الأمر. و يبقى السؤال، "من أين؟"
أولا، يمكنك معالجة قضية الشركات المتعددة الجنسيات من وجهة النظر التي تقول " ما هو مدى قوتها المالية و سيطرتها على بعض سلاسل الإمداد و الموارد؟ إن هذا الأمر كبير بالتأكيد و الذي ينطبق على الشركات كشركات الطاقة ومن ناحية أخرى البنوك أيضا. و تنطبق أيضا على الشركات التي تملكها الدولة. لكن بإمكاننا معا رؤية الشركات من وجهة نظر الموارد التي تسيطر عليها وعدد الموظفين التي تملك ونوع الإخلاص الذي تنتجه.
نشأت وجهة نظر جديدة في الشركات المتعددة الجنسيات وهي تتعلق بالطبع بموطنها الأصلي. حيث أن العديد منها قد تبدو شبكات للهاتف المحمول التي تسيرها الدولة، فهناك فهم خاص جديد بخصوص الطريقة التي تعمل بها تلك الشركات من الأسواق الناشئة سواء تعلق الأمر بالبرازيل أو الهند أو دول أخرى، ترى هل تغير من السوق؟ هل تتكيف مع أنواع معينة من المعايير؟ أو أنها تتصرف بدقة في شكل تجاري. هذا جانب مهم في هذا النقاش و أيضا فيما يتعلق بدور الشركات المتعددة الجنسيات. ولكن إذا قمت بمعاينة كل الأمثلة المختلفة عبر تلك الهياكل المختلفة فانه من الصعب أن تعمم، أليس صحيحا؟ نعلم أن بعض الشركات المتعددة الجنسيات تعتبر مزودة كبيرة للسلع العامة. و نعلم أن أخرى تتجنب كل تلك الأشكال من المسؤوليات. إن السلسلة جد واسعة. ما أحاول القيام به في هذا الكتاب هو عدم التعميم، إنما أحاول تسليط الضوء على بعض أفضل و أسوء الفاعلين في كلا الحالتين.
كوربن: تحدثت كثيرا عن الحاجة 'لاستعمار جديد". وتحدثت عن - على الأقل على حسب ما فهمت- كيف أن السيادة و السيادة الإقليمية يعكسان فقط القرن 20 و أيضا تحدثت عن الحاجة لإعادة رسم خريطة بعض أجزاء إفريقيا و الشرق الأوسط. الأمر الذي يعتبر مفيدا في سياق ما يحدث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط حاليا. فكيف ينطبق كل هذا على الربيع العربي وعلى الارتباك و عدم الاضطراب الذي نراه في الثورات الشعبية؟
كانا: لقد مضت سنة على إتمامي لهذا الكتاب، و لكن كما ترى على الأرجح، ففي الفصل الأول، في الصفحتين الأوليين، أقول أن جيل الألفية ينجح في الحصول على التكنولوجية الإعلامية الاجتماعية وجعل الحكام المستبدين متوترين. انه أمر كنت ألاحظه لسنوات وسنوات خلال سفري للشرق الأوسط. هذا الأمر يلعب دورا رئيسيا في الربيع العربي بالتأكيد: إعلام الفضائيات و الإعلام الاجتماعي و تكنولوجيات الشبكات و غير ذلك.
و الآن عندما قدم الاستعمار الجديد، لم أكن حقا أتكلم عن الدول العربية التي تعاني اليوم من هذه الاضطرابات ، لكن بالأحرى عن الحاجة لإعادة رسم خريطة بعض الأقاليم. يمكنني أن أتخيل أن ليبيا لن تقوم بذاتها في الشكل الجغرافي الحالي. فكما أحب أن أقول أنا وعلماء جغرافيين تاريخيين آخرين: " ينبغي أن تشك دوما في الخطوط المستقيمة على الخريطة. " و لقد كنت أفكر في الصراعات الإفريقية و أسيا الجنوبية و عالم ما بعد الاستعمار. فأزيد من 200 بلد في العالم هم بالتأكيد بلدان ما بعد الاستعمار مما يعني أنهم فعلا قد نشئوا من خلال هذه الموجات من الاستقلال منذ الخمسينات فما فوق. تعتبر معظمهم دولا ضعيفة أو فاشلة حيث يواجهون الفوضى التي تحدثت عنها مع الزيادة السكانية و الحالة الاقتصادية الضعيفة و الشريحة الكبيرة للشباب العاطلين و الفساد الكبير و كل هذه العوامل تتحد لتنقلب إلى حد ما على سقوط النظام و من المحتمل انهيار الدولة.

هذا ما نشهده حاليا في الشرق الأوسط. و الآن يجب إعادة بناءه و إعادة إنشاء موئساته. و تحتاج كل من الدول و الحكومات فيما بينها و المجتمعات لهدف جديد. و هنا يأتي دور تلك النظرية التي تخص الاستعمار الجديد رغم أنني لا أقول أننا يجب أن نتبع شكلا جديدا من الاستعمار بشكل عدواني مثل الشكل القديم. والذي أسميه على وجه التحديد "بالجديد" لسبب جد مهم.
إن الفاعلين المتعددين، المشاركين في الاستعمار الجديد، ليس بالضرورة أن يكونوا قوة تجارية مستغلة كما هو الأمر في الاستعمار القديم. إننا هنا نتحدث عن مجموعة من الفاعلين الذين بإمكانهم ممارسة النفوذ اللازم لجعل بعض الدول والأسواق تتصرف أو تتقدم في نمط أسرع من الوضعية التي قد تكون عليها. عندما تنظر إلى دول مثل مصر، تجد أن حسني مبارك قد غادر لكن الجيش ما زال يملك السلطة. ترى ما هي الطريقة التي من خلالها لا يكون عليك أن تنتظر مدة 25 سنة - كحالة تركيا- حيث انتظرنا الجيش كي يخرج تدريجيا من المحيط السياسي والاقتصادي؟ أو في دولة كباكستان التي ينطبق عليها هذا الأمر إلى يومنا هذا حيث أن الجيش يسيطر على الاقتصاد على حساب الشعب. نعلم أن هذه حواجز السياسة العامة. الكل على علم بهذا الأمر. فالاستعمار الجديد قوة تساعد على تسريع التغييرات المحتومة و الضرورية و الايجابية.
كوربن: هل تعتقد أننا علينا التدخل في قضية ليبيا؟ هل تعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وقوات حلف الناتو التدخل في مكان آخر؟
كانا: بالطبع، ولكن كيف؟ أولا... كل القادة العرب لا يحبون القذافي. إذن لو كانت هناك فرصة لاختبار قدرة حلف الناتو من أجل إجراء تدخل أنظف و أسرع مما حدث في البلقان و أفغانستان كما نأمل، فسوف تكون هذه هي الحالة التي تعكس هذا الأمر. و هذا ينطبق حتى على إمكانية قتل القذافي، الأمر الذي كنت أؤيده بصراحة مسبقا يوما أو يومين بعد سيطرة ثوار الجهة الشرقية للبلاد على بنغازي.
لقد قلت: "سيكون عليك أن تقتل". كما أنني أمضيت فعلا وقتا في ليبيا. وكتبت فصلا في كتابي الأخير بخصوص هذا البلد. لهذا أعلم جيدا ما قد يفعله القذافي و ما قد لا يفعله. أعلم أنه سيتمسك بموقفه ولن يأخذ مظلة ذهبية للذهاب إلى جنوب فرنسا ولقد ذكرت بوضوح أن هذه حالة حيث يمكن تفسير كل ذلك جيدا، و هناك فصل حول الاغتيالات في هذا الكتاب. هناك وسائل قانونية و وسائل سياسة و قضية أخلاقية لتفسير ذلك. و لكن لم يتم استعمال أي من هذه العوامل الثلاثة بشكل فعال. حيث أن التدخل العسكري في المقاربة التقليدية كمنطقة حظر الطيران- سواء تعلق الأمر بنموذج كوسوفو أو العراق لم ينجز على الطريقة الأصح حيث اتبعوا طريقة بطيئة جدا.
وعليه، هل كان ينبغي للغرب أم يتدخل في ليبيا بطريقة ما؟ نعم، هل ينبغي أن نكون واضحين بشأن هذا الأمر؟ نعم، لقد كنت واضحا في اليوم الثاني من التدخل الذي كان ينبغي علينا القيام به، ترى هل قمنا بأمر صحيح لأجل ليبيا؟ ليس تماما، لكن بالأحرى ما يمكن قوله أن المنظمات الإقليمية قد تدخلت كثيرا فسواء قد ذكرت الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية في هذا الكتاب، فتعزيز المنظمات الإقليمية و آليات الأمن الإقليمي ينبغي أن يكون أكثر من تعزيز المنظمات المركزية الدولية. وأعتقد أنه من المهم أن تبقى مسؤولة عن أمورها. ولكن أين يمكننا توفير الموارد لإحداث تغييرات معينة قد تم قبولها. أعتقد أنه تجسيد صحيح للمبدأ الذي سأناقشه فيما بعد، و هو استعمال موارد عالمية لدعم الفاعلين المحليين.
كوربن: كما ذكرت للتو، فقد تحدثت في الكتاب عن الحاجة للوقت لتنحية قادة الدول الذين هم غالبا أصل المشاكل. ترى من هم الأشخاص السيئون؟ كيف نقرر من يجب تنحيته من قادة الدول (انه حسن تعبير)؟ من ينحيهم؟ هل يتم ذلك عن طريق منظمة دولية؟ هل تقوم بذلك الولايات المتحدة بمفردها؟ هل يقرر حلف الناتو ذلك؟ لقد ذكرت أنه من السهل معرفة القادة المتحضرين من الهمجيين. كيف يمكنك اتخاذ هذا القرار؟ من يتخذه؟
كانا: حسنا، إذن السؤال الأول (يخص الكلمة) "نحن". لأنك قلت: " كيف نتخذ القرارات"؟ لا أعتقد أن "نحن" تعني دوما البيت الأبيض، أليس صحيحا؟ لا يجب أن يكون الأمر كذلك. لقد قررت الحكومة الفرنسية في هذه الحالة الاعتراف بالمجلس الانتقالي في وقت مبكر جدا. فيما اكتفت دول الجامعة العربية بالقول: " لم نعد نريد القذافي"، وعليه، فان العرب قد قرروا أو أصدروا حكما على دولة شقيق عربي و المصادقة فعليا على تنحيته من السلطة. الأمر الذي أعتبره أكثر أهمية من الانتظار لشهور لإجراء من المحكمة الجنائية الدولية رغم أنه تم بالفعل البدء في هذا الإجراء. و الآن، نعلم جيدا أنه قد ارتكبت خروقات بشأن حقوق الإنسان. و سوف نوضح بكل تأكيد أن فظائع إنسانية قد ارتكبت منذ بدء الصراع. و الآن، إن لم يكن فيما مضى، فمن الممكن تبرير مثل هذا الإجراء فورا.
هناك مشاركة جامعة الدول العربية و المؤسسات الدولية القانونية التي تحكم على هذا الرجل، وهناك قوة خارجية التي تملك وسائل عسكرية لإجراء ذلك كتدخل سريع. سواء ينبغي تنفيذ عملية اغتيال أو لا، فالأمر يعتمد إلى حد ما على النتائج المترتبة عن مثل هذا الفعل. إذا أخذت على عاتقك مسؤولية حماية هذا المعتقد، فيجب أن تمر عبر مجموعة من الأسئلة التي ستجيب عنها. هل التدخل مبرر من حيث السبب؟ هل هناك تهديد وشيك؟ أو خطر بوجود كوارث ضخمة إذا لم تقم بالتدخل؟ و هل هناك تقييم ما إذا سينجح ذلك و لن يؤدي إلى وضعية أسوء فيما بعد ؟
لا يمكنك تخمين ما قد يحدث في بعض الدول. لو كنت ستخرج Jong­il Kim من كوريا الشمالية، فلا نعلم تماما ما قد يحدث فيما بعد. الأمر الأكثر تأكيدا هو أنه ستكون ردة فعل عدوانية. نعلم أيضا أن أي تدخل في إيران، له القدرة على تأجيج المشاعر الوطنية لدى الشعب لأنهم لا يريدون ذلك النوع من التدخل رغم أنهم غير راضون عن حكومتهم.
ولكن في حالة ليبيا، يمكن أن نكون متأكدين تماما من كل المعلومات التي لدينا بشأن البلد و مجتمعه و قبائله و شعبه الذين التقيناهم هناك، و هذا الأمر لن يؤدي بالضرورة إلى فوضى أو اضطراب كبيرين - كما هو الحال اليوم- و التي تحولت إلى حرب أهلية. في الواقع، أعتقد أننا لو كنا قد تصرفنا مبكرا، لكان حلفاء القذافي يعيشون حالة من الصدمة بسبب فقدانهم لقائدهم والجزء الشرقي لبلدهم و لكنت قد بدأت مفاوضات فورية تخص مستقبل البلاد. لهذا أعتقد أنه كان من الأفضل لو تم التدخل بسرعة و إخراجه.
كوربن: دعني أنتقل باراك بالطاقم، إلى جزء في كتاب تحت عنوان: "Alles Uber Democracy" فكما لاحظت - وأظن أنني لاحظت بدوري جيدا - في العالم الحالي، أننا نواجه نماذج تنافسية سياسية و اقتصادية. لكنك ناقشت أن جاذبية الواحد على الآخر تكون عن طريق القدرة على توفير منافع مادية وليس كيف تكون الديمقراطية. هذا مثير للاهتمام. إنها تتجه عكس المقولة التقليدية التي تقول أن الديمقراطية ورأسمالية السوق الحرة متحدين وأن مع التحرير الاقتصادي سنشهد مطالبات بتطبيق الديمقراطية. دعني أنتقل إلى الصين، التي تعتبر بلدا مسيطرا و سوقا اقتصادية جد استبدادية بكل ما في الكلمة من معنى. إننا نشهد قيودا متزايدة على الحرية السياسية وحرية التعبير. فالفنان أي ويوي Weiwei Ai الذي تم اعتقاله قبل مدة قليلة فقط بسبب جرائم اقتصادية ( تم إطلاق سراحه من السجن في يونيو 22). أطرح هنا سؤالا: هل بإمكان الصين مواصلة السير في هذا الطريق؟ نعلم أنها تبلي حسنا من الناحية الاقتصادية. هل سيؤدي التطور المستمر إلى فرض ضغوطات على الديمقراطية؟ أو أن الرأسمالية المسيطرة الديكتاتورية للدولة قابلة للنمو في المدى البعيد؟
كانا: أظن أن ما أريد تفسيره هو أن الديمقراطية تتطلب الرأسمالية. و لكن الرأسمالية لا تتطلب الديمقراطية. لقد وضعت بعض البيانات تخص الدول العشر الأولى غير الديمقراطية في العالم و الدول العشر الأولى الديمقراطية في العالم و ذلك بعد النظر إلى بيانات النمو و نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي و أنواع أخرى من المقاييس.
هناك نقاش حقيقي حول العوامل التي تؤسس حكامة جيدة و كيف يمكن تحقيق ذلك؟ نجد بشكل متزايد وجود فكرة تلك الحكامة الجيدة التي تشمل أو تقضي قبول مجموعة من المقاييس فيما يخص توصيل الخدمات العامة ومسؤولية النظام و الحصول على المعلومة والتكنولوجيا والمؤشرات الاقتصادية التي ليس من الضروري أن تتوقف على ما إذا كانت الدولة ديمقراطية أو لا. علينا فهم أنها فكرة واسعة قد خرجت إلى الوجود هنالك. إن نهضة الصين جزء من السبب وراء هذه الوضعية. يعد واقع كلام العديد من الناس على "نموذج الصين" و من المرجح أنهم يريدون تقليدها -بمعنى أخر الإصلاح الاقتصادي والنمو أولا و ثانيا الإصلاح السياسي، إذا كان هناك إصلاح-جزءا من سبب تحاور الناس بشأن الحكامة الجيدة عوض الديمقراطية. أعتقد أنه نقاش مفيد لأن تنافس الأفكار والتنافس حول التوصيل و حول النماذج يعد أمرا جيدا بطبيعته. فهو يجعلنا ندرك الأمور أكثر.
والآن، عندما يتعلق الأمر بالصين، فمن التأكيد أنه سوق اقتصادي رأسمالي استبدادي. فمسألة ما إذا كان قادرا على الصمود جد واردة. ولكن زعما أنه من الضروري وجود هذه الحالة السوداء أو البيضاء الصلبة والتي تعد كلها استبدادية الآن وستتلقى في الأخير ضربة قوية في الطريق حيث سيتطلب منها أن تصبح ديمقراطية - أعتقد أنها مقاربة خاطئة لهذه الحالة. و بالنسبة للذين يقومون بدراسات حول الصين، نعلم جيدا أن هناك كمية كبيرة من التجارب تتواصل مع روح المبادرة و مع الابتكار و مع محاولة للحصول على حد في قطاعات متنوعة-- من منظور استثمار الدولة والاستثمار الحر. كما نعلم أن هناك فعلا نقاش مفيد في البلد على مختلف المستويات بشأن أشكالها السياسية. فليس من الضروري أن تكون الديمقراطية كلمة ذات أربع أحرف في الصين. صدق أو لا تصدق. هناك العديد من الناس الذين يتحدثون عن كيفية تحويل حزب دولة مسيطر حالي واحد إلى نظام برلماني جدير.
كما تعلم، فلديهم في العديد من الحالات انتخابات قروية كذلك. فهم يجربون جميع الطرق لتجديد وإصلاح وتطوير نظامهم. وبدون دخولي في السيناريو الذي يعرضه العديد من الناس على البلد - الأمر الذي يعتبر إما نجاحا أو فشلا -. تجد هناك إما الحزب أو الانهيار. مما يعني و بكل صراحة عدم إعطائهم تقريبا قرضا كافيا لحجم التفكير الذي يستثمرون فيه حاليا ومقدار التجارب الذي يرغبون باستثماره لإصلاح نظامهم السياسي. هل سينجح الأمر؟ لا أعلم. لكن الشعب الصيني يملك نسبة مهمة من الحريات الاقتصادية وهم على استعداد للتضحية ببعض الحريات السياسية. من جهة أخرى، علينا أن نتذكر أن الصين مجتمع محافظ تماما بطبيعته. و في النهاية، فأنه مجتمع هرم، مما يعني أن العديد من الناس قد عايشوا فترة القفزة الكبيرة المتقدمة والثورة الثقافية وعليه، فهم لا يريدون بالضرورة إفشال أو إضعاف التقدم الذي عايشوه في العقود العديدة الأخيرة فقط من أجل المزيد من الحقوق السياسية. فهم من المحتمل أنهم يفضلون التطور عن الثورة. و أنا لا ألومهم.
كوربن: باراك، لقد كان بالفعل حوارا شيقا و مفيدا. أود في الأخير أن أشكرك على منحنك لنا الوقت للتحدث.
كانا: شكرا جزيلا ستيفن.

> إن الديمقراطيه والحريات السياسيه، تتم بمساوة الشعوب على إقتصادهم وجعلهم تابع لإقتصاد دول أجنبيه قد ينخدع البعض ولا يدرك أن الحريه الساسيه مع التبعيه الإقتصاديه هي بمثل خطورة الدكتاتوريات <