السبت، 17 ديسمبر 2011

كي لا نكون ســُذج (3): نظرية المؤامره/ فلسطين الدوله (الكانتون)


خريطة الضفه الغربيه وغزه، ما باللون الأخضر مناطق الفلسطينين
 وما يظهر بالون الأصفر هي المستوطنات


رؤية سياسية- الدوله الفلسطينيه:

قد يستغرب البعض القول بأن مشروع الدولة الفلسطينية هي خطة أمريكية، ويظنون أنها فكرة فلسطينية أو عربية، قد يستغرب البعض القول بذلك، لكن الغرابة تزول عندما يتبين بالأدلة والوقائع أنها فعلاً خطة أميركية قديمة، وليست كما يُروّج لها بأنها مطلب فلسطيني أو عربي، ولا كما يُقال عنها بأنها خطة أميركية حديثة العهد برزت فقط منذ عهد إدارة بوش الابن، التي روجت للفكرة بحماسة، وتبنتها، واعتبرتها رؤية خاصة بالرئيس الأميركي نفسه، نعم إنها ليست كذلك على الإطلاق، بل هي في حقيقتها خطة سياسية أميركية قديمة وجاهزة، وقد وضعتها أميركا موضع التطبيق منذ قرار تقسيم فلسطين في العام 1948م، وليست منذ عهد الرئيس بوش الابن كما يُشاع. ولا نبالغ إن قلنا إن فكرة الدولة الفلسطينية هذه هي أخطر فكرة مرّت على تاريخ القضية الفلسطينية، وأكثرها تضليلاً، بحيث أن الكثير من العوام، والكثير من أفراد الحركات الذين ظهر عليهم الإخلاص، قد انجروا لها، واقتنعوا بها، فكانت هذه الفكرة من ناحية دولياً هي المبرر السياسي الأفعل، والمسوغ القانوني الأنجع، للإقرار بتمليك معظم فلسطين لليهود، وللاعتراف بحق الكيان اليهودي الخالص في البقاء على أرض فلسطين، واستيطانها.
إنها في الواقع ليست مجرد فكرة أو مشروع بل هي مؤامرة أمريكية بحتة منذ نشوئها، فلم يتحدث بها من قبل لا العرب ولا الفلسطينيون، بينما وضعتها جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة في صميم استراتيجياتها، لدرجة أنها أصبحت بالنسبة لتلك الإدارات صنواً للدولة اليهودية، فحيثما ذكرت دولة يهود ذكرت معها الدولة الفلسطينية. لذلك كان لزاماً على السياسيين المخلصين فضحها و كشفها بوصفها مؤامرة أميركية ويهودية خطيرة وخبيثة، وكان لا بد بيان مدى خطورتها ليس على أهل فلسطين والعرب وحسب، وإنما على الأمة الإسلامية جمعاء.
أما بيان ذلك فيمكن إثباته من خلال مرور الخطة تاريخياً عبر المراحل التالية:
المرحلة الأولى: بدأت هذه المرحلة منذ استيلاء دولة يهود على حوالي 78% من أرض فلسطين التاريخية، وهو الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ففي قرار التقسيم الصادر في العام 1947م تبنّت أميركا وبقوة فكرة إقامة الدولة العربية المنفصلة والمستقلة إلى جانب الدولة اليهودية، ودعمت القرار 181 الذي يقسم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، ومنذ ذلك الوقت تبنت الدولة اليهودية، واعتبرتها جزءا من إستراتيجيتها في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط، باعتبارها تحقق أساس مشروعها الاستعماري في المنطقة، بينما كان المستعمر القديم (الإنجليز) قد تبنوا من قبل فكرة الدولة الفلسطينية العلمانية الواحدة على كل أرض فلسطين والتي تجمع اليهود و المسلمين و النصارى في كيان واحد على شاكلة الدولة اللبنانية.
وهاتان الفكرتان الدولتان والدولة الواحدة هما فكرتان استعماريتان يهدفان إلى تمكين اليهود من السيطرة على فلسطين، ومن ثم تمكين الغرب من تثبيت نفده بشكل دائمي فيها. لكن الصراع بين المستعمر القديم (الانجليز) والمستعمر الجديد (الأمريكان) أدّى إلى تمسك كل طرف بفكرته لكي يمارس كل منهما نفوذه على أهل المنطقة، لا سيما وأن فلسطين هي أخطر بقعة تقع في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ومن يسيطر عليها يسيطر على المنطقة بأكملها.
المرحلة الثانية: جاءت هذه المرحلة بعد قرار التقسيم بعشر سنوات تقريباً، وبدأت تحديداً في العام 1959م في أواخر عهد الرئيس الأمريكي "أيزنهاور"، حيث طرحت أميركا مشروعها بشكل واضح ومحدد عن الدولة الفلسطينية تحت عنوان (الكيان الفلسطيني)، وكانت الضفة الغربية وقطاع غزة في ذلك الوقت تحت سيطرة الأردن و مصر، فعرض أيزنهاور مشروعه لإقامة كيان فلسطيني فيهما في العام 1959م ، وبذلك تكون أميركا أول من دعت رسمياً إلى إقامة الدولة الفلسطينية وتكون بذلك قد سبقت الفلسطينيين الداعين إلى إقامتها بحوالي 50 عاما. فما تدعو إليه الفصائل الفلسطينية هذه الأيام، وبمختلف توجهاتها، هو عينه ما كانت تدعو إليه إدارة أيزنهاور في نهاية الخمسينيات وبنفس ذلك الطرح.
ولكن لماذا إذاً لم تتبنّ هذا المشروع الفصائل الفلسطينية المتلهفة اليوم على إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة و القطاع في العام 1959م وقد عرضتها عليهم أميركا بشكل واضح. وكان الفرق الوحيد عما يتبنونه اليوم أن مشروع أيزنهاور في ذلك الوقت والذي حمله المبعوثون الأمريكيون فيه اختلاف يسير عن المطروح حالياً، وهو أن الضفة الغربية و قطاع غزة التي يراد إقامة كيان فلسطيني فيها يُستثنى منها القدس والذي خُطط لتدويلها في المشروع الأميركي، وهذا التدويل لمدينة القدس هو ما يتمنى دعاة الدولة الفلسطينية الحصول عليه في هذه الأيام.
باشرت أميركا عملياً بتطبيق مشروعها قي ذلك الوقت، فدعت مصر والسعودية والعراق "جمال عبد الناصر والملك سعود وعبد الكريم قاسم" في العام 1959م للترويج للمشروع، وتأييد إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة، وكان عبد الناصر جاهزا لإعطاء غزة للفلسطينيين، لكن الملك حسين هو الذي كان يمثل العقبة الكأداء أمام تحقيق المشروع. وبدأ هؤلاء بالضغط على الأردن، ووقف النظام الأردني حجر عثرة أمام تطبيق هذا المشروع كون الأردن يسيطر على الضفة الغربية التي تمثل المساحة الأكبر في المشروع. فرفض الملك حسين بشراسة بالغة فكرة إقامة دولة فلسطينية، والتنازل عن الضفة الغربية للفلسطينيين خشية على عرشه، وبالرغم من أنهم ضغطوا عليه، وهدّدوه وتوعدوه، وأغروه وتملقوه، لحمله على الموافقة على المشروع لكنه أبى وأصر على الرفض.
وكانت حجة أميركا للفلسطينيين و للعرب تستند على أن الدولة الفلسطينية هي الحل الوحيد العملي الممكن لقضية فلسطين، وأن هذا الحل هو الذي يوجد السلام والأمن في المنطقة، وان إسرائيل قوة كبيرة وجدت لتبقى، وأن الدول العربية، و جيوشها، اعجز من أن تزيل دولة (إسرائيل).
هذه هي الفكرة التي جاء بها أيزنهاور، ولقّمها للحكام العرب في هذه الدول، فقال لهم: عليكم أن تهضموا فكرة وجود (إسرائيل) وبالمقابل تقيموا كيانا فلسطينيا، ثم بعد ذلك عليكم أن ترفعوا أيديكم عن الفلسطينيين، وعن القضية الفلسطينية. وفي هذا الخطاب تمهيد لما أتوا به من بعد، وهو جعل منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.
وأما الفلسطينيون فخوطبوا في هذا المشروع بمنطق آخر فقيل لهم: عليكم أيها الأشاوس الفلسطينيون أن تتولوا أموركم بأيديكم، فالدول العربية لن تنفعكم، فاقبلوا بالكيان الفلسطيني كمرحلة أولى، ثم بعد ذلك فكروا بتحرير ما تبقى من فلسطين المغتصبة!!.
وقام عبد الناصر في العام 1959م بابتداع أساليب جديدة لإسناد الفكرة - وكان أشدهم تأييدا لفكرة الدولة الفلسطينية وأكثرهم نشاطا لها - فدعا لإقامة ما يُسمى بالجمهورية العربية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك على نمط الجمهورية العربية المتحدة في مصر وسوريا ، وجنّد الفلسطينيين الذين يسكنون في قطاع غزة والذي كانوا تحت حكمه، لتأييد الفكرة والتأثير على فلسطينيي الضفة الخاضعين للحكم الأردني. واتصل بالهيئة الفلسطينية العليا في القدس، واحتضنها، وساعده في ذلك الملك سعود. ولم يكتف عبد الناصر بذلك بل إنه عرض مشروع أيزنهاور هذا على الجامعة العربية في مؤتمرها في القاهرة في نفس العام 1959م.
المرحلة الثالثة: استمراراً للمرحلة الثانية وفي العام 1960م عُقد مؤتمر "شتورا" في لبنان، وضغط عبد الناصر في المؤتمر على رئيس وزراء الأردن آنذاك "هزاع المجالي" الذي حضر المؤتمر نيابة عن الملك حسين، ووافق تحت الضغط على إقامة الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة، فكان عقابه أنه بعد عودته إلى الأردن قتل فورا في عمّان، وبقتله أحبطت بريطانيا والملك حسين الخطة. وقد كشف رئيس الوفد الأردني في مؤتمر شتورا موسى ناصر حقيقة الموقف الأميركي من فكرة الدولة الفلسطينية فقال: "إن الولايات المتحدة الأمريكية قدّمت اقتراحا لإنشاء الكيان الفلسطيني، وتبنته السعودية، وعرضته على الجامعة العربية".
المرحلة الرابعة: بدأت هذه المرحلة في العام 1961م بمجيء جون كندي إلى الحكم وتبنيه لنفس المشروع، وقيامه بتفعيله، وذلك بإرساله لرسائله المشهورة في العام 1961م الملك سعود وعبد الناصر وعبد الكريم قاسم وأضيف إليهم فؤاد شهاب في لبنان. وعقدوا مؤتمراً جديداً في القاهرة في العام 1961م، وضغطوا على الملك حسين ثانية لحمله على القبول بالفكرة، وللزيادة في الضغط جرى ترتيب جديد في نفس الليلة التي كان يجري فيها المؤتمر، حيث اجتمع السفير الأمريكي في عمّان برئيس الوزراء الأردني بهجت التلهوني، وضغط علية ليقبل بالدولة الفلسطينية، ويُحرج الملك، وكاد أن يقبل لولا أن الملك هدّده إن قبل بالقتل كما قُتل سلفه هزاع المجالي من قبل ، فخاف وتراجع.
إن هذه الوقائع المتتالية تؤكد بأنه كان هناك ضغطا أمريكيا شديداً على الملك حسين للقبول بالدولة الفلسطينية، لكنه لم يرضخ لهذا الضغط، أصر على التحدي، وبمعنى آخر لم تقبل بريطانيا بترك مشروعها والأخذ بالمشروع الأميركي ولو أدّى بها الأمر إلى خوض صراع مكشوف مع حليفتها.
المرحلة الخامسة: ولما فشلت جميع تلك المحاولات الأمريكية في الضغط على الملك حسين لحمله على القبول بفكرة الدولة الفلسطينية، استخدمت أميركا أخيراً ورقتها الرابحة في ذلك الوقت وهي (الأمم المتحدة)، فقامت المنظمة الأممية بتشكيل ما يسمى بلجنة التوفيق في العام 1962م، حيث ضغطت هذه اللجنة باسم الأمم المتحدة على الأردن وعلى الملك حسين لكي يقبل بإقامة الكيان الفلسطيني، ولكنها فشلت أيضاً في انتزاع موافقة الملك حسين على إقامة الدولة الفلسطينية.
المرحلة السادسة: في هذه المرحلة قامت السعودية بتجربة حظها للضغط على الملك حسين ومن ورائه بريطانيا، فاستخدم الملك سعود احمد الشقيريأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية – حيث كان وزيرا في الحكومة السعودية، استخدمه الملك سعود وبالتنسيق مع عبد الناصر لإحراج الملك حسين، فذهب إلى الأردن وهاجم الملك حسين، وصرّح الشقيري بتصريحات نارية قال في إحداها : "اغسلوا أيديكم من فلسطين ومن القدس"، و قال عن اللاجئين بان " ليس لهم إلا التعويض"، و قال عن القدس بأنها "سوف تُدول". وكانت هذه التصريحات تمثل السياسة الأمريكية بكل تجلياتها. لكن الملك حسين تنصل من هذه التصريحات، ورفضها، وسلّط عليه وصفي التل الذي هاجمه، ورفض أفكاره رفضا كاملا.
المرحلة السابعة: استخدمت أميركا في هذه المرحلة البابا بولص السادس، فأوفدته في زيارة إلى الأردن ليضغط على الملك حسين، وليقبل بفكرة تدويل القدس بذريعة أن فيها أماكن دينية وكنسية وما شاكل ذلك، لكن الملك حسين تخلص أيضا من هذا الضغط، ورفض فكرة التدويل.
إن هذا التشبث الأميركي بفكرة الدولة الفلسطينية في ذلك الوقت المبكر يدل على مدى أهمية الفكرة بالنسبة لأميركا، كما يدل على مدى اقتناع الحكام العرب بالفكرة التي قتل بسببها دبلوماسيون، وهُدّد آخرون بالقتل.
المرحلة الثامنة: في شهر ديسمبر (كانون أول) من العام 1964م رعى جمال عبد الناصر إنشاء هيئة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري، بعد أن ترك الوزارة في السعودية، وجاءت به مصر، ونصّبته رئيسا لهيئة التحرير الفلسطينية، والتي سُميت فيما بعد بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأوكل عبد الناصر لهذه الهيئة تحقيق هدف فصل الضفة الغربية عن الأردن، أي رفع يد الملك حسين عنها، وإقامة كيان فلسطيني مستقل فيها باستثناء القدس وبيت لحم باعتبارهما يُراد لهما أن تكونا منطقة دولية بحسب الخطة الأمريكية، ثم حاول الإنجليز أن يردوا على هذه الأطروحات الأمريكية المتتالية، فأرسلوا الرئيس التونسي بورقيبة، فقام بزيارة إلى الضفة الغربية ورّوج لفكرة الدولة الفلسطينية العلمانية التي تجمع اليهود و المسلمين و النصارى في كيان واحد، وكانت هذه هي الخطة البريطانية المحكمة في مواجهة الخطة الأمريكية. وأدّى هذا الصراع بين الخطتين إلى فشلهما وعدم نجاح أي منهما.
استمرت المحاولات والضغوط الأمريكية على الملك حسين، ومن فرط هذه الضغوط، وشدتها، وللتخلص من أعبائها الثقيلة عليه، قام الملك حسين في العام 1967م، بتسليم الضفة الغربية لليهود، وكانت له خطابات كثيرة في الأعوام 1966 و 1965م، تهدد بذلك، ثم بعد ذلك أقام المهرجانات في عدة مدن، وبيّن أن المسالة فيها حرب، وهدد بتسليم القدس والضفة الغربية. ثم قام فعلاً بتسليمهما لليهود في الخامس من حزيران من عام 1967، وبذلك تملص من فكرة إقامة الدولة الفلسطينية عليها، فكان أفضل بالنسبة إليه أن يسلمها لليهود بدلاً من أن يسلمها للفلسطينيين لإقامة دولة عليها لحساب أميركا.
ثم بعد ذلك ظهرت حركة فتح، ونادت بالكفاح المسلّح واستهوت أفئدة من العرب والفلسطينيين، وكانت مدعومة من دول الخليج ومن الكويت بالذات وكذلك من مصر، ووجدت في عمان منطلقاً حقيقياً لها، وقبل بها الملك حسين، وتبنى ياسر عرفات فكرة بورقيبة الإنجليزية وهي فكرة الدولة الفلسطينية العلمانية على كل ارض فلسطين، ونجحت حركة فتح بهذه الدعوة، وبخلطها للكفاح المسلح، واستهوت قلوب الكثيرين، وامتلكت أهلية شعبية مكّنتها من انتزاع قيادة منظمة التحرير من احمد الشقيري، ونُصب ياسر عرفات زعيم حركة فتح، رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية وأزيح احمد الشقيري.
المرحلة التاسعة: لكن أمريكا في هذه المرحلة لم تسكت، فالصراع ما زال على أشده بين المستعمر الجديد و المستعمر القديم، فهددت أميركا الأردن بإقامة دولة فلسطينية في عمان، وبإعطاء جنوب الأردن من معان والجنوب إلى السعودية، وإقامة الكيان الفلسطيني في الأردن ثم مده إلى الضفة الغربية، وبدا أن أمريكا مصممة على فكرة الدولة الفلسطينية بشكل غريب. وهذا بدوره أدّى إلى خوف الملك حسين من أن تقدم أمريكا على فعل ذلك، ويضيع عرش الهاشميين إلى الأبد، وما يساعدها في تحقيق ذلك الكثافة السكانية العالية للفلسطينيين في الأردن، فارتعدت مفاصل الملك، وقام بالتنكيل بالفلسطينيين، وذبحهم في مذابح جماعية في أيلول الأسود وفي أحراش عجلون وجرش في العامين 1970 و 1971، وبذلك تم طردهم من الأردن، وتخلص من هواجسه ومن خطورة إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أنقاض عرشه.
المرحلة العاشرة: لم تتوقف أميركا في هذه المرحلة عن مساعيها لإقامة الدولة الفلسطينية إن خفّ عنفوانها، ففي 4/4/1975 قام جورج مكفرن مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية بزيارة القدس، وخاطب اليهود ونادى بإمكانية قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، وهاجم بصراحة المشروع الإنجليزي، وقال: "أما بالنسبة للدولة العلمانية التي تضم مسلمين و مسيحيين و يهود فليست هدفا سياسيا و أنها مجرد حلم".
المرحلة الحادية عشرة: في العام التالي وبسبب الضغوط الأميركية، أقرت الجامعة العربية بان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي هذا الإقرار مضايقة شديدة للملك حسين الذي كان يزعم انه يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية و في القدس، وهذه المضايقة كانت مقدمة لرفع يده عن الفلسطينيين.
المرحلة الثانية عشرة: وفي العام 1976، وبدفع من السادات الذي ورث عبد الناصر في الحكم في بداية السبعينات من القرن الماضي، قام بالضغط على الجامعة العربية لرفع مكانة المنظمة، وجعلها عضوا كامل العضوية فيها مثلها مثل أي دولة عربية أخرى بحيث لا يبقى أي مجال لسيطرة الملك حسين على الفلسطينيين.
المرحلة الثالثة عشر: في هذه المرحلة، ومع وصول رونالد ريغان إلى الحكم، طرح ريغان مشروعه على المنطقة والذي عُرف باسم "مشروع ريغان" ، لكنه خشي من ذكر لفظ الدولة الفلسطينية باعتبار أن الظروف لم تكن مساعدة آنذاك، فقال عوضا عن ذلك : "يجب إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير". وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير في كل الأعراف الدبلوماسية، وفي الغرب بشكل خاص تعني إقامة الدولة. ثم تُرجم هذا المشروع مباشرة في نفس الشهر وفي نفس العام 1982م في قالب عربي تحت اسم مشروع فاس الذي أفرزه اجتماع الزعماء العرب في مدينة فاس المغربية، وأقروا في مؤتمرهم ذاك مشروع ريغان باسمه العربي الجديد، ثم أضافوا عليه فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة ليصبح المشروع الأميركي مشروعاً عربياً خالصاً.
المرحلة الرابعة عشر: إن شدة الضغوطات الأميركية التي مورست على الملك حسين لحمله على التخلي عن فكرة التمسك بالضفة الغربية، وبسبب ضعف الدور الإنجليزي في المنطقة، جعلته في العام 1988م يعلن رسمياً انه تخلى تماما عن تمثيل الفلسطينيين في أية مفاوضات مقبلة مع (إسرائيل)، وأنه بات يعترف كزملائه من حكام الدول العربية بان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن هذه الضغوط الشديدة التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة من العام 1959م و حتى العام 1988م على بريطانيا والملك حسين آتت أكلها أخيراً ، فتخلى الملك حسين بشكل رسمي عن الضفة الغربية، و تبع ذلك التخلي السياسي فصل قانوني وإداري بين الضفة الشرقية والضفة الغربية. ثم أعقب ذلك وفي نفس العام اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية عبر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر بقراري 242 و 338 اللذان يقرّان بوجود دولة إسرائيل، ويطالبان فقط بالأراضي التي احتلت في العام 67 فقط وهي الضفة الغربية وقطاع غزة. وبذلك تخلت منظمة التحرير تماما عن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948م.
ثم بعد ذلك بأشهر قليلة صرّح عرفات واحداً من أهم تصريحاته في ستراسبورغ في فرنسا قال فيه : "إنني قد تركت حلم إقامة الدولة الفلسطينية العلمانية على كامل تراب الوطن الفلسطيني و اقبل الآن بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة".
لكن الجديد الذي طرأ في هذه المرحلة هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، حيث تم خلط بعض الأوراق، وخرجت قوى جديدة على الساحة الفلسطينية غير القوى العلمانية وهي القوى الإسلامية، فكان لا بد من مشوار جديد، وطويل، لترويض الحركات الإسلامية كما روضت من قبل الحركات العلمانية، فكان لا بد من عشرين سنة أخرى لتتم فيها عملية الترويض الجديدة ولغاية إخراج فكرة الدولة الفلسطينية إلى الوجود.
وها نحن وبعد عشرين عاما منذ عام 1988 وحتى العام 2008م أصبحت بعض الحركات الإسلامية شأنها شأن الحركات العلمانيه تطالب بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، أي في الأراضي المحتلة عام 1967م وذلك تحت ذريعة إعلان الهدنة الطويلة، أو ما شاكلها من ذرائع، وهذا معناه أن هذه الحركات الإسلامية قد وقعت - وللأسف الشديد - فيما وقعت فيه الحركات العلمانية من قبل، واعترفت بشكل مباشر أو غير مباشر بالكيان اليهودي، وقبلت بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت في الرابع من حزيران عام 1967م، وتكون بذلك قد ساعدت في تحقيق الرؤية الأمريكية من خلال قبول الفلسطينيين.

> الآن من خلال إستحقاق أيلول ستنفذ الرؤيه الأمريكيه التي تبدي في العلن أنها ضد مشروع الدوله الفلسطينيه والذي هي وضعت بالأساس للتضليل وجعل هذا المشروع يبدو وكأنه فكره فلسطينيه عربيه خالصه لا دخل لها فيه، ولكن السؤال هنا هل سينجحون في تصفية القضيه الفلسطينيه بهذه الورقه الأخيره؟ <

ليست هناك تعليقات: