الاثنين، 5 ديسمبر 2011

كـي لا نكون سُذج (1): الـقتله الإقتــصاديــون/ الجزء الأول


]جون بركنـز[ مؤلف كتاب (اعترافات قاتل اقتصادي) يقول: " إن القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون الأجور، ليخدعوا الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها".
فقد كان ]بركنـز[ نفسه أحد هؤلاء القتلة، حيث جنَّدته وكالة الأمن القومي الأميركية سرَّاً وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية ]الشركات المتعددة الجنسيات[، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الإستراتيجية الأميركية، وكانت مهمَّته تتركَّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي يضم الحكومات والمصارف والشركات الكبرى، وفي الوقت نفسه كان العمل ينص على تسكين أعراض وآثار الفقر بإجراءات ظاهرية خادعة.
ثم هجر وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة، فأصدر كتاباً بعنوان: (اعترافات قاتل اقتصادي) أهداه إلى روحَي رئيسين سابقين لدولتين من دول أميركا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور (خايمي رولدوس) والرئيس الأسبق لباناما (عمر تورِّيخوس) وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على  حدِّ وصف الكاتب، وذلك لأنَّهما وقفا في وجه «تحالف» الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة، ويقدِّم الكتاب شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية التي تعمل بتنسيق في ما بينها «لسرقة دول العالم الثالث»، وإغراق الدول بديون مهوِّلة، لوضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل (هاليبرتون و بيكتل) مواردها تحت غطاء التنمية، ويشير ]بركنـز[ في كتابه إلى شخصيات سياسية واقتصادية ومالية كثيرة، لكنه يركز على «جورج شولتز»، بوصفه القاتل الاقتصادي القيادي، ورئيس مجلس المنظومة من الشركات التي تعمل في مجال النفط والغاز، وأحد المروِّجين لمذهب التجارة الحرة الراديكالية، حيث سبق «لجورج شولتز» أن شغل منصب وزير العمل ورئيس مكتب الإدارة والميزانية ووزير المال في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو من قام شخصياً بإلغاء نظام (بريتون وودز) الاقتصادي الذي وضعه (فرانكلين روزفلت) والذي نص على ربط الدولار الأمريكي بقيمة ثابتة من الذهب، وشغل كذلك منصب وزير الخارجية الأميركي لعدة سنوات.

وعن كيفيّة اختيار القتلة الاقتصاديين وعملية تجنيدهم وتأهيلهم للمهمات التي سيضطلعون بها في دول العالم يقول بركنـز استناداً إلى تجربته الشخصية: «حدث ذلك في أواخر ستينيات القرن العشرين المنصرم وتحديداً في عام 1968م، عندما كنت طالباً في كلية الأعمال، وقد جرى تجنيدي من طرف وكالة الأمن القومي، وقد أدخلوني سلسلة من الاختبارات: اختبارات للشخصية، واختبارات لكشف الكذب، وعدد كبير من الاختبارات الحساسة الأخرى، وبعد تلك السلسلة من العمليات اكتشفوا أنني مرشّح ممتاز لأن أكون قاتلاً اقتصادياً ممتازاً » ويوضح ]بركنـز[ أن مهمته في دول مثل الإكوادور وأندونيسيا كانت تتمحور حول إيجاد صيغة ترضي حكومات تلك الدول، وترضي وزارة المال الأميركية، وترضي رؤساءه في شركة «ماين»، وكانت لدى أصحاب الشركة توقعات عالية بأن تتطور الخطة، لكي تصبح نموذجاً يحتذى في باقي دول العالم، وسوف تتغنى الدولة التي تنفذ فيها هذه الخطة بمآثر أصحاب الشركة، وتدعو الزعماء من دول كثيرة لكي يأتوا إليها ويشهدوا على المعجزات التي حققتها، وعندئذٍ سوف يناشد هؤلاء الزعماء الشركة لمساعدتهم على وضع خطط مماثلة تنفَّذ في بلادهم، لكي تقترض الأموال من البنك الدولي أو سواه من البنوك والمؤسَّسات التي تتَّبع الأساليب المناسبة التي تجعلها رازحة تحت عبء الديون لتمويل هذه المشاريع، وهذا هو ما تتمناه الإمبراطورية الأميركية.

ويقول السيد ]بركنـز[ في مقابلة تلفزيونية مع محطة الديمقراطية الآن [Democracy Now]  الأمريكية أواخر عام 2004م: إن بناء إمبراطورية أمريكية هو ما تم تربيتنا عليه في الأساس وهو وظيفتنا أن نخلق وضعاً يسمح بتدفق أكبر قدر ممكن من الموارد إلى هذه الدولة (مؤسساتنا وحكومتنا) وفى الحقيقة فقد حققنا نجاحاً كبيراً، لقد قمنا ببناء الإمبراطورية الأعظم في تاريخ العالم، وذلك ما كنا نقوم به خلال الخمسين عاماً الأخيرة منذ الحرب العالمية الثانية و بتدخل عسكري ضئيل، لا نلجأ للتدخل العسكري إلا كملاذ أخير، وفى مناسبات نادرة كما هو  الحال في العراق، هذه الإمبراطورية وعلى النقيض من غيرها عبر تاريخ العالم تم بناؤها في الأساس بالمناورة الاقتصادية عبر الغش والاحتيال وعبر إغراء الناس واجتذابهم إلى طريقة العيش الأمريكية بواسطة “القتلة الاقتصاديين المأجورين”، ولقد كنت ضالعاً في ذلك تماماً.
إن أول (قاتل اقتصادي مأجور) يعود إلى بدايات الخمسينات وهو (كيرمت روزفلت) حفيد الرئيس تيد، والذي أطاح بحكومة (مصدق) المنتخبة ديمقراطياً ونصَّب شاه إيران، ولقد قام بذلك دون حمامات دم، كان هناك القليل من العنف ولكن لم يكن ثمة تدخل عسكري، وإنما فقط تم إنفاق ملايين الدولارات لإحلال شاه إيران محل (مصدق) الذي اختارته مجلة التايم الشهيرة رجلاً للعام في تلك الفترة، عندها أدركنا أن فكرة قاتل اقتصادي مأجور عظيمة جداً، فليس ثمة قلق يساورنا بشأن تهديد الحرب مع روسيا إذا قمنا بالأمور على ذلك النحو، كانت المشكلة أن روزفلت عميل لوكالة الاستخبارات المركزية وهو بهذه الصفة مستخدم حكومي، وبالتالي سنقع في مأزق في حالة القبض عليه وسيكون الأمر غاية في الإحراج، ولذا صدر قرار حينها يقضي بأن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي والمنظمات المماثلة بتجنيد قتلة اقتصاديين مأجورين محتملين من أمثالي، ثم يقومون بإرسالهم للعمل في شركات خدمات استشارية خاصة وفى شركات هندسية وشركات إنشاءات ليتحاشوا أي ربط بينهم وبين الحكومة في حالة القبض عليهم.
ويضيف: كنت أعمل لدى شركة خاصة اسمها (شاس. ت. ماين) ومقرها بوسطن بولاية ماساتشوسيتس. كنَّا حوالي20,000 موظفاً وكنت أنا كبير الاقتصاديين وخمسون شخصاً يعملون تحت رئاستي، ولكن وظيفتي الحقيقية كانت عقد الصفقات، أي منح القروض لدول أخرى. ولقد كانت قروضاً كبيرة، أكبر من قدرة الدول المقترضة على سدادها، مثلاً بليون دولار للإكوادور أو اندونيسيا على أن تقوم الدولة المقترضة بإعادة 90% من قيمة ذلك القرض لشركة أو شركات أمريكية، لبناء البنية التحتية (هاليبرتون أو بكتل) – هذه كانت شركات كبيرة. تقوم هذه الشركات بعد ذلك ببناء شبكة كهرباء أو موانئ أو طرق تخدم بصورة أساسية عدداً قليلاً يمثل العائلات الأكثر ثراءً في هذه الدول ويتحمل الفقراء الضغط الناتج عن الدين الهائل والذي تعجز حكومتهم عن سداده، إن دولةً مثل الإكوادور اليوم مدينة بنصف ميزانيتها القومية لسداد ديونها. وبهذه الطريقة فإننا نبقيهم فوق برميل بارود. عندما نحتاج إلى النفط نذهب إلى الإكوادور ونقول “ليس في مقدوركم سداد الديون” إذاً قوموا بمنح شركاتنا النفطية امتياز غابات الأمازون المطرية الغنية بالنفط. ونحن الآن نقوم بتدمير غابات الأمازون المطرية وإجبار الإكوادور على منحها إيانا في مقابل الدين المتراكم، وهكذا وبتقديم هذا القرض الضخم والذي يعود أغلبه لصالحنا، تظل الدولة المقترضة تحت عبء الدين وفوائده وتصبح في الأساس خادمة لنا وتابعة. إنها إمبراطورية وليس هناك طريق آخر، ويتابع قائلاً: لقد قبلت نصف مليون دولار في التسعينات من شركة كبيرة للإنشاءات الهندسية مقابل أن امتنع عن  كتابة هذا الكتاب، وكانوا على علم بأنني كنت أعكف على كتابة هذا الكتاب والذي سميته حينذاك “صحوة قاتل اقتصادي محترف” وهذا هو سبب تأخر صدور الكتاب.
أما عن تجربته العربية فيقول: لقد كان زماناً رائعاً أتذكره جيداً، عندما مارست (الأوبك) في بدايات السبعينات ما لديها من سلطة وقامت بخفض إمدادات النفط، مما أدى إلى اكتظاظ العربات في محطات الوقود في الولايات المتحدة فخشينا من مواجهة الكساد الذي واجهناه في 1929م الأمر الذي لم يكن مقبولاً، لذا قامت وزارة الخزانة باستعارتي وقليل من “القتلة الاقتصاديين المأجورين” وذهبنا إلى المملكة العربية السعودية، وكنت رسمياً كبير اقتصاديين، وتوصَّلنا إلى صفقة وافق بموجبها آل سعود على إرسال الجزء الأكبر من “البترو دولار” لاستثمارها في الولايات المتحدة، وستقوم وزارة الخزانة باستخدام الفوائد الناتجة عن الاستثمارات السعودية في الاستعانة بشركات أمريكية للقيام ببناء مدن جديدة في السعودية وتشييد بنية تحتية وهو ما قامت به، كما وافق آل سعود على الإبقاء على سعر النفط في حدود مقبولة لدينا، وقد قاموا بذلك كل هذه السنوات، ومن جانبنا وافقنا على الاحتفاظ بالسلطة لآل سعود طالما هم وفوا بالتزامهم بموجب الصفقة، وقد قمنا بذلك.
حاولنا تطبيق ذات السياسة مع العراق إلا أن صدام حسين قد رفض، وحينما يفشل “القتلة الاقتصاديين المأجورين” يأتي دور رجال الاستخبارات المركزية ويحاولون القيام بانقلاب أو ثورة أو القيام باغتيالات حينما لا يجدي ذلك، في حالة العراق لم يكن من الممكن الوصول إلى صدام الذي كان عنده حراس شخصيون، وعند ذلك ليس ثمَّة سوى خط الدفاع الثالث ، فعندما يفشل “القتلة الاقتصاديين المأجورين” ويفشل ذئاب الاستخبارات، فإن خط دفاعنا التالي هو الشباب من رجالنا ونسائنا الذين يرسلون ليقاتلوا ويُقتلوا وهو ما فعلناه بوضوح في العراق.
وكذلك فإن رئيس بنما (عمر توريجوز)، وقع على معاهدة القنال مع (الرئيس) كارتر، والتي صادق عليها الكونغرس بأغلبية صوت واحد، فقد كان موضوعها مسار جدل ساخن ثم مضى عمر قدماً مع اليابان في مفاوضات لبناء قنال على البحر، وقد رغب اليابانيون في تمويل وبناء ذلك القنال في بنما، ولقد أزعج ذلك مؤسسة (بكتل) والتي كان يرأسها «جورج شولتز» ويعمل (كاسبر واينبيرغر) في وظيفة كبير مستشاريها، وحينما تمت هزيمة (كارتر)، وتلك قصة مثيرة عن كيفية حدوث ذلك بعد خسارته للانتخابات وصعود (الرئيس ريجان) إلى سدة الحكم وحلول «جورج شولتز» وزيراً للخارجية و(واينبيرغر) للدفاع، كان الثلاثة شديدي الغضب على عمر وحاولوا إقناعه بالعودة إلى المفاوضات ووقف محادثاته مع اليابانيين، ولكنه أعلن رفضه القاطع، لقد كان رجلاً شديد المبدئية رغم ما لديه من مشاكل، كما كان مدهشاً، لقد توفي في حادث تحطم طائرة عن طريق قنبلة مزروعة في جهاز تسجيل، لم يساورني شك في أن الاستخبارات المركزية كانت وراء الأمر وهى الخلاصة التي وصل إليها العديد من المحققين من أمريكا اللاتينية، بالطبع نحن لم نسمع عن ذلك في بلدنا!
وعن توبته يقول ]جون بركنـز[ : لقد كنت طوال الوقت أحس بالذنب ولكن كان قد تم إغرائي لقد كان تأثير الجنس والمال و السلطة قوياً علي، وبالطبع كنت مدفوعاً إلى القيام بما قمت به، لقد كنت كبير اقتصاديين وقمت بما يحبه أناس من أمثال (روبرت ماكنمارا) وزير الدفاع في عهد كيندي، و لقد كان البنك الدولي يوفر القدر الأكبر من الأموال التي نستخدمها وكذلك صندوق النقد الدولي، ولكن بعد ضربة الحادي عشر من سبتمبر أصبت بهزة وتغيَّرت، وقررت أن القصة لا بد أن تنشر لأن ما حدث في 11/9 ليس سوى نتيجة لما يقوم به “القتلة الاقتصاديين المحترفين”، وأنَّ الطريقة الوحيدة التي نستعيد بها أمننا وسلامنا الذاتي هي استخدام هذه النظم التي بنيناها لإحداث تغيير إيجابي في العالم وإنني أؤمن بأنه يمكننا القيام بذلك . إنني أؤمن بأن البنك الدولي وغيره من المؤسسات يمكن تغيير سياستها لتقوم بالأدوار التي خلقت من أجلها، وهي المساعدة في بناء المناطق المدمرة في العالم ومساعدة الفقراء وبصدق، هناك حوالي 24 ألف شخص يموتون من الجوع كل يوم في أنحاء العالم إننا نستطيع تغيير ذلك.

< ان أهم ما ورد في هذا المقال ليس هو سياسات أمريكا في العالم من ]استعمار[ ونهب الخيرات  ]ربط الدول عن طريق البنك الدولي[ و لكن المهم هو كيف لهم أن يستطيعوا أن ]يوقفوا ثورات الشعوب على دولهم[ جراء هذه السياسات وهم يحملون هذه الطريقه من التفكير الخبيث فهل ينجحوا؟ >

ليست هناك تعليقات: